صفحة جزء
وفي هذه السنة اختط البصرة

وجه عمر بن الخطاب عتبة بن غزوان إلى البصرة ،
وأمره بنزولها بمن معه ، وقيل: كان ذلك في سنة خمس عشرة ، وكذلك دخول سعد الكوفة .

وقد زعم سيف أن البصرة مصرت في سنة ست عشرة ، وأن عتبة [بن غزوان] خرج إلى البصرة من المدائن بعد فراغ سعد من جلولاء وتكريت ، وجهه إليها سعد بأمر عمر .

والأول أثبت ، وعليه الجمهور . [ ص: 181 ]

وقال عمر لعتبة: إني أريد أن أوجهك إلى أرض الهند -وكانت البصرة تدعى أرض الهند ، فيها حجارة بيض خشنة- لتمنع أهلها أن يمدوا إخوان فارس ، فنزلها في ربيع الأول سنة أربع عشرة ، وفيها سبع دساكر ، فكتب إليه عمر: اجمع الناس موضعا واحدا ، وقد كتبت إلى العلاء بن الحضرمي أن يمدك بعرفجة بن هرثمة ، وهو ذو مكايدة للعدو ، فإذا قدم عليك فاستشره ، وادع إلى الله ، فمن أجابك فاقبل منه ، ومن أبى فالجزية وإلا السيف ، واتق مصارع الظالمين .

وفي رواية: أن عمر قال له: انطلق أنت ومن معك حتى إذا كنتم في أقصى أرض العرب ، وأدنى أرض العجم فأقيموا . فنزلوا موضع البصرة .

فأقام شهرا ، ثم خرج إليه أهل الأبلة ، فناهضهم عتبة ، فمنحه الله أكتافهم وانهزموا ، فأصاب المسلمون رحلا كثيرا ، وفتح الله الفتح على يد أبي بكرة في خمسة أنفس ، وشهد فتح الأبلة مائتان وسبعون .

[أخبرنا محمد بن ناصر ، قال: أخبرنا أبو الحسين بن أحمد [بن عبد] القادر بن يوسف ، قال: أخبرنا القاضي أبو الحسن محمد بن علي بن صخر ، قال: أخبرنا أبو غياث أحمد بن الحسن بن أيوب ، قال: أخبرنا أبو روق أحمد بن محمد ، قال: حدثنا القاسم بن محمد بن عباد المهلبي ، قال: حدثنا موسى بن المثنى بن سلمة بن المحبق الهذلي ] عن أبيه ، عن جده قال:

شهدت فتح الأبلة وأميرنا قطبة بن قتادة السدوسي ، فاقتسمت الغنائم ، فدفعت إلي قدر من نحاس ، فلما صارت في يدي تبين لي أنها ذهب ، وعرف ذلك المسلمون فنازعوني إلى أميرنا ، فكتب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يخبره بذلك ، فكتب إليه عمر: صر إلى يمينه أنه لم يعلم أنها ذهب إلا بعد ما صارت إليه ، فإن حلف فادفعها [ ص: 182 ]

إليه ، وإن أبى فاقسمها بين المسلمين ، فحلف فدفعها [إليه] ، وكان فيها أربعون ألف مثقال .

قال جدي: فمنها أموالنا التي نتوارثها إلى اليوم .

قال علماء السير: ولما فرغ عتبة من الأبلة جمع له المرزبان [دست ميسان] ، فسار إليه عتبة ، وقيل: لصاحب الفرات: إن ها هنا قوما يريدونك ، فأقبل في أربعة آلاف أسوار .

قال المدائني : كتب قطبة بن قتادة -وهو أول من أغار على السواد من ناحية البصرة- إلى عمر أنه لو كان معه عدد ظفر بمن في ناحيته من العجم ، فبعث عمر عتبة بن غزوان أحد بني مازن بن منصور في ثلاثمائة ، وانضاف إليه في طريقه نحو من مائتي رجل ، فنزل أقصى البر حيث سمع نقيق الضفادع ، وكان عمر قد تقدم إليه أن ينزل في أقصى أرض العرب وأدنى أرض العجم ، فكتب إلى عمر: إنا نزلنا في أرض فيها حجارة خشن بيض ، فقال عمر: الزموها فإنها أرض بصرة ، فسميت بذلك ، ثم سار إلى الأبلة فخرج إليه مرزبانها في خمسمائة أسوار ، فهزمهم عتبة ، ودخل الأبلة في شعبان سنة أربع عشرة ، وأصاب المسلمون سلاحا ومتاعا وطعاما ، وكانوا يأكلون الخبز وينظرون إلى أبدانهم عل سمنوا؟

وأصابوا براني فيها جوز ، فظنوه حجارة ، فلما ذاقوه استطابوه ، ووجدوا صحناة ، فقالوا: ما كنا نظن أن العجم يدخرون العذرة ، وأصاب رجل سراويل ، فلم يحسن لبسها فرمى بها ، وقال: أخزاك الله من ثوب ، فما تركك أهلك لخير ، فجرى ذلك مثلا ، ثم قيل: من شر ما ألقاك أهلك .

وأصابوا أرزا في قشره ، فلم يمكنهم أكله ، وظنوه سما ، فقالت بنت الحارث بن كلدة: إن أبي كان يقول: إن النار إذا أصابت السم ذهبت غائلته ، فطبخوه فتعلق فلم [ ص: 183 ] يمكنهم أكله ، فجاء من نقاه لهم فجعلوا يأكلونه ويقدرون أعناقهم ويقولون: قد سمنا .

وبعث عتبة إلى عمر بالخمس مع رافع بن الحارث ، ثم قاتل عتبة أهل دست ميسان فظفر بهم ، واستأذن عمر في الحج فأذن له . فلما حج رده إلى البصرة حتى إذا كان بالفرع رفسته ناقته فمات وقيل: وقصته ، فولى عمر البصرة المغيرة بن شعبة ، فرمي بالزنا فعزله وولى أبا موسى .

وقال علماء السير: إن عمر كتب إلى العلاء بن الحضرمي ، وهو بالبحرين : أن سر إلى عتبة فقد وليتك عمله ، واعلم أنك تقدم على رجل من المهاجرين الأولين الذين سبقت لهم من الله الحسنى ، لم أعزله إلا لظني أنك أعنى عن المسلمين في تلك الناحية منه ، فاعرف له حقه ، ووفد عتبة إلى عمر ، وأمر المغيرة أن يصلي بالناس حتى قدم مجاشع من الفرات ، فإذا قدم فهو الأمير ، فظفر مجاشع بأهل الفرات ورجع إلى البصرة . وجمع بعض عظماء فارس للمسلمين ، فخرج إليه المغيرة بن شعبة فظفر به ، وأمر عتبة أن يرجع إلى عمله ، فمات عتبة في الطريق . وكانت ولايته ستة أشهر .

قال الواقدي : ورأيت من عندنا يقول: إنما كان عتبة مع سعد بن أبي وقاص ، فوجه به إلى البصرة بكتاب عمر ، وما زالت البصرة تعظم وتذكر فضائلها ، وأهل البصرة يقولون لنا: الثلاثة عن الثلاثة ، الرياشي والسجستاني والأخفش عن أبي زيد ، وأبي عبيدة والأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء ، وعيسى بن عمر ويونس بن حبيب .

التالي السابق


الخدمات العلمية