صفحة جزء
ومن الحوادث في سنة خمس عشرة [فرض العطاء ، وعمل الدواوين]

إن عمر فرض الفروض ، ودون الدواوين ، وأعطى العطاء على مقدار السابقة في الإسلام ، فكلمه صفوان بن أمية ، وسهيل ، والحارث بن هشام في تقليل عطائهم ، فقال: إنما أعطيكم على السابقة في الإسلام لا على الأحساب ، فقالوا: فنعم إذا ، وأخذوا ، ثم أعطى سهيل بن عمرو ، والحارث بن هشام أربعة آلاف معونة على جهادهما ، فلم يزالا مجاهدين حتى أصيبا في بعض تلك الدروب .

وقال ابن إسحاق : إنما ماتا في طاعون عمواس .

وقيل: بل دون الدواوين في سنة عشرين .

ولما كتب عمر الدواوين قال له عبد الرحمن وعثمان وعلي : ابدأ بنفسك ، فقال: لا بل أبدأ بعم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم الأقرب فالأقرب من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فبدأ بالعباس ، ففرض له خمسة وعشرين ألفا ، وقيل: اثني عشر ألفا ، ثم فرض لأهل بدر خمسة آلاف ، وأدخل في أهل بدر من غير أهلها الحسن والحسين فأبا ذر وسلمان .

ثم فرض لمن بعد بدر إلى الحديبية أربعة آلاف ، أربعة آلاف ، ثم فرض لمن بعد الحديبية إلى الردة ثلاثة آلاف ، ثلاثة آلاف ، ولمن ولي الأيام قبل القادسية وأصحاب اليرموك ، ألفين ألفين ، ثم فرض لأهل البلاء البارع ألفا وخمسمائة ، ألفا وخمسمائة ، وللروادف الذين ردفوا بعد افتتاح القادسية واليرموك ألفا ألفا ، ثم لمن ردف الروادف خمسمائة خمسمائة ، ثم لمن ردف أولئك ثلاثمائة ثلاثمائة ، وسوى كل طبقة في العطاء ليس بينهم تفاضل ، قويهم وضعيفهم ، عربهم وعجمهم ، ثم فرض لمن [ ص: 195 ] ردف أولئك خمسين ومائتين ، ولمن ردفهم مائتين ، وكان آخر من فرض له أهل هجر على مائتين .

وفرض لأزواج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عشرة آلاف عشرة آلاف ، ووصل عائشة بألفين فأبت ، فقال: هذا بفضل منزلتك عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فإذا أخذتها فشأنك .

وجعل نساء أهل بدر على خمسمائة خمسمائة ، ونساء ما بعد بدر إلى الحديبية على أربعمائة ، ونساء ما بعد ذلك على ثلاثمائة ، ونساء أهل القادسية مائتين . والصبيان من أهل بدر وغيرهم مائة . وقال قائل: يا أمير المؤمنين ، لو تركت في بيوت الأموال عدة تكون لحادث ، فقال: كلمة ألقاها الشيطان على فيك ، وقاني الله عز وجل شرها ، وهي فتنة لمن بعدي ، بل أعد لهم طاعة الله عز وجل وطاعة رسوله ، فهما عدتنا التي أفضينا بها إلى ما ترون ، فإذا كان هذا المال ثمن دين أحدكم هلكتم .

[أخبرنا محمد بن ناصر ، قال: حدثنا طراد بن محمد ، قال: أخبرنا علي بن محمد بن بشران ، قال: أخبرنا ابن صفوان ، قال: حدثنا أبو بكر القرشي ، قال: حدثنا أبو خيثمة ، قال: حدثنا يزيد بن هارون ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ] ، عن أبي هريرة : أنه قدم على عمر رضي الله عنه من البحرين ، قال: فغدوت عليه فصليت العشاء معه ، فلما رآني سلمت عليه ، فقال: ما قدمت به؟ قلت: قدمت بخمسمائة ألف ، قال: أتدري ما تقول قلت: مائة ألف ، ومائة ألف ، ومائة ألف ، حتى عددت له خمسا ، قال: إنك ناعس ، ارجع إلى بيتك فنم ، ثم اغد علي ، قال: فغدوت عليه ، فقال: بماذا جئت؟ قلت: خمسمائة ألف ، قال: أطيب؟ قلت: نعم ، لا أعلم إلا ذلك ، فقال للناس: إنه قد قدم علي مال كثير ، فإن شئتم أن نعده لكم عددا ، وإن شئتم أن نكيله لكم كيلا ، فقال له رجل: يا أمير المؤمنين ، إني قد رأيت هؤلاء الأعاجم يدونون ديوانا ، [ ص: 196 ] فدون الدواوين ، ففرض للمهاجرين في خمسة آلاف ، والأنصار في أربعة آلاف ، وفرض لأزواج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في اثني عشر ألفا .

[أخبرنا محمد بن عبد الباقي ، أخبرنا الجوهري ، أخبرنا ابن حيويه ، حدثنا أحمد بن معروف ، حدثنا ابن الفهم ، حدثنا محمد بن سعد ، حدثنا الحسن بن موسى ، حدثنا زهير ، حدثنا أبو إسحاق ] ، عن مصعب بن سعد :

أن عمر رضي الله عنه فرض لأهل بدر والمهاجرين والأنصار ستة آلاف ، ستة آلاف ، وفرض لأزواج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ففضل عليهن عائشة ، ففرض لها في اثني عشر ألفا ، ولسائرهن في عشرة آلاف غير جويرية وصفية ، فرض لهما في ستة آلاف ، وفرض للمهاجرات الأول: أسماء بنت عميس ، وأسماء بنت أبي بكر ، وأم عبد أم ابن مسعود ألفا ألفا .

[أخبرنا محمد بن الحسين الحاجي ، وإسماعيل بن أحمد ، قالا: أخبرنا ابن النقور ، أخبرنا المخلص ، أخبرنا أحمد بن عبد الله بن سيف ، حدثنا السري بن يحيى ، حدثنا شعيب ، عن سيف ] ، عن محمد ، والمهلب ، وعمرو ، وطلحة ، وسعيد ، قالوا:

لما فتح الله على المسلمين وقتل رستم ، وقدمت على عمر رضي الله عنه فتوح من الشام ، جمع المسلمين وقال: ما يحل للوالي من هذا المال؟ فقالوا: أما لخاصته فقوته وقوت عياله ، لا وكس ولا شطط ، وكسوته وكسوتهم للشتاء والصيف ، ودابتان لجهاده وحوائجه وحملانه إلى حجه وعمرته ، والقسم بالسوية ، وأن يعطي أهل البلاء على قدر بلائهم ، ويرم أمور المسلمين بعده ، ويتعاهدهم في الشدائد والنوازل حتى تنكشف ، ويبدأ بأهل الفيء .

و[عن سيف ، عن محمد بن عبد ، وعبد الله بن عمر ، عن نافع] ، عن ابن عمر ، قال: [ ص: 197 ]

جمع عمر الناس بالمدينة حتى انتهى إليه فتح القادسية ودمشق ، فقال: إني كنت امرأ تاجرا يغني الله عز وجل عيالي بتجارتي ، وقد شغلتموني بأمركم هذا ، فماذا ترون أنه يحل لي من هذا المال؟ فأكثر القوم ، وعلي رضي الله عنه ساكت ، فقال: يا علي ، ما تقول؟ فقال: ما أصلحك وأصلح عيالك بالمعروف ، ليس لك من الأمر غيره ، فقال: القول ما قال علي بن أبي طالب .

و[عن سيف ، عن مبشر بن الفضيل ] ، عن سالم بن عبد الله ، قال:

لما ولي عمر رضي الله عنه قعد على رزق أبي بكر رضي الله عنه الذي كانوا فرضوا له ، فكان بذلك ، فاشتدت حاجته ، فاجتمع نفر من المهاجرين فيهم عثمان وعلي وطلحة والزبير ، فقال الزبير: لو قلنا لعمر في زيادة نزيدها إياه في رزقه ، فقال علي: وددنا أنه فعل ذلك ، فانطلقوا بنا ، فقال عثمان: إنه عمر ، فهلموا فلنستبرئ ما عنده من ورائه ، نأتي حفصة فنكلمها ونستكتمها أسماءنا ، فدخلوا عليها وسألوها أن تخبر بالخبر عن نفر لا تسمي له أحدا إلا أن يقبل ، وخرجوا من عندها ، فلقيت عمر في ذلك ، فعرفت الغضب في وجهه ، فقال: من هؤلاء؟ قالت: لا سبيل إلى علمهم حتى أعلم ما رأيك ، فقال: لو علمت من هم لسوأت وجوههم ، أنت بيني وبينهم ، أناشدك بالله ما أفضل ما اقتنى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بيتك من الملبس؟ قالت: ثوبين ممشقين ، كان يلبسهما للوفد ، ويخطب فيهما الجمع ، قال: وأي طعام ناله من عندك أرفع؟ قالت:

خبزنا خبزة شعير ، فصببت عليها وهي حارة أسفل عكة ، فجعلناها دسما حلوة ، فأكل منها . قال: وأي مبسط كان يبسطه عندك كان أوطأ؟ قالت: كساء لنا ثخين كنا نربعه في [ ص: 198 ] الصيف ، فنجعله تحتنا ، فإذا كان الشتاء ابتسطنا نصفه وتدثرنا نصفه ، قال: يا حفصة ، فأبلغيهم عني أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قدر فوضع الفضول مواضعها ، وتبلغ بالتزجية ، وإني قدرت ، فوالله لأضعن الفضول مواضعها ، ولأتبلغن بالتزجية ، وإنما مثلي ومثل صاحبي كثلاثة نفر سلكوا طريقا ، فمضى الأول وقد تزود زادا فبلغ ، ثم اتبعه الآخر فسلك طريقه ، فأفضى إليه ، ثم اتبعهما الثالث ، فإن لزم طريقهما ورضي بزادهما لحق بهما وكان معهما ، وإن سلك غير طريقهما لم يجامعهما أبدا .

وفي هذه السنة حج بالناس عمر بن الخطاب ، وكان عامله على مكة عتاب بن أسيد ، وعلى الطائف يعلى بن أمية وعلى الكوفة وأرضها سعد بن أبي وقاص ، وعلى قضائها أبو قرة ، وعلى البصرة وأرضها المغيرة بن شعبة .

التالي السابق


الخدمات العلمية