صفحة جزء
وفي هذه السنة إعانة أهل حمص من المسلمين في المحرم

روى محمد بن الحسين ، بإسناده عن محمد وطلحة والمهلب وعمرو وسعد ، قالوا: خرجت الروم وقد تكاتبوا هم وأهل الجزيرة يريدون أبا عبيدة والمسلمين بحمص ، فضم أبو عبيدة إليه مسالحه ، فعسكر بفناء مدينة حمص ، وأقبل خالد من قنسرين حتى انضم إليه ، فاستشارهم أبو عبيدة في المناجزة والتحصن إلى مجيء الغياث ، فكان خالد يأمره أن يناجزهم ، وكان سائرهم يأمرونه بأن يتحصن ويكتب إلى عمر ، فأطاعهم وعصى خالدا ، وكتب عمر إلى سعد: اندب الناس مع القعقاع بن عمرو ، وسرحهم في يومهم الذي يأتيك فيه كتابي إلى حمص ، فإن أبا عبيدة قد أحيط به ، وتقدم إليهم في الجد والحث .

وكتب إليه أيضا: أن سرح سهيل بن عدي إلى الجزيرة في الجند ، وليأت الرقة؛ فإن أهل الجزيرة هم الذين استثاروا الروم على أهل حمص . فمضى القعقاع في أربعة آلاف نحو حمص ، وخرج عمر من المدينة مغيثا لأبي عبيدة يريد حمص حتى نزل الجابية ، وخرج أبو عبيدة ففتح الله عليه ، وانقض العدو ، وقدم القعقاع بعد ثلاث من يوم الوقعة ، وكتب إلى عمر بالفتح وهو بالجابية ، فكتب عمر: أشركوهم فإنهم نفروا إليكم ، وتفرق بهم عدوكم .

وانتهى سهيل بن عدي إلى أهل الرقة ، وقد ارفض أهل الجزيرة فحاصرهم فصالحوه ، وخرج عبد الله بن عبد الله بن عتبان إلى نصيبين فصالحوه كما فعل أهل الرقة ، وسار عياض مع سهيل وعبد الله إلى حران ، فأخذ ما دونها ، فلما انتهى إليها اتقوه بالجزية فقتل منهم . [ ص: 224 ]

ومضى سهيل وعبد الله إلى الرهاء فأجابوه بالجزية ، واستعمل عمر حبيب بن سلمة على عجم الجزيرة وحربها ، واستعمل الوليد بن عقبة على عرب الجزيرة .

وقد ذكرنا أن عمر أتى الشام أربع مرات ، مرتين في سنة ستة عشر ، ومرتين في سنة سبعة عشر ، فأما هذه المرة فإنه لم يدخلها لأجل الطاعون ، والخرجة الرابعة أذن له بلال حين حضرت الصلاة ، فبكى الناس عند ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فكان أشدهم بكاء عمر رضي الله عنه .

[أخبرنا عبد الأول ، قال: أخبرنا الداودي ، قال: أخبرنا ابن أعين ، قال: أخبرنا الفربري ، قال: حدثنا البخاري ، قال: حدثنا عبد الله بن يوسف ، قال: أخبرنا مالك ، عن ابن شهاب ، عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب ، عن عبد الله بن عبد الله بن الحارث بن نوفل ] ، عن عبد الله بن عباس :

أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج إلى الشام حتى إذا [كان] يسرع لقيه أمراء الأجناد -أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه- فأخبره أن الوباء قد وقع بالشام ، قال ابن عباس: قال لي عمر: ادع لي المهاجرين الأولين . فدعوتهم ، فاستشارهم ، وأخبرهم أن الوباء قد وقع بالشام ، فاختلفوا ، فقال بعضهم: قد خرجت لأمر ، ولا نرى أن ترجع عنه . وقال بعضهم: معك بقية الناس وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ولا نرى أن تقدمهم على هذا الوباء فقال: ارتفعوا عني . ثم قال: ادع لي الأنصار ، فدعوتهم ، فاستشارهم ، فسلكوا سبيل المهاجرين ، واختلفوا كاختلافهم . فقال: ارتفعوا عني . ثم قال: ادع لي من كان [ها هنا] من مشيخة قريش من مهاجرة الفتح ، فدعوتهم فلم يختلف منهم عليه رجلان ، فقالوا: نرى أن ترجع بالناس ولا تقدمهم على هذا الوباء . فنادى عمر في الناس: إني مصبح على ظهر ، فأصبحوا عليه . فقال أبو عبيدة بن الجراح :

أفرار من قدر الله؟ فقال عمر: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة ، نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله ، أرأيت إن كان لك إبل هبطت واديا له عدوتان: إحداهما خصيبة ، والأخرى جدبة ، [ ص: 225 ] أليس إن رعيت الخصيبة رعيتها بقدر الله ، وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله؟ قال: فجاء عبد الرحمن بن عوف -وكان متغيبا في بعض حاجته- فقال: إن عندي في هذا علما ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول:
"إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه ، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه" . قال فحمد الله عمر ، ثم انصرف .


أخرجاه في الصحيحين .

التالي السابق


الخدمات العلمية