صفحة جزء
ذكر الخبر عن فتح مصر والإسكندرية

قال ابن إسحاق : لما فرغ عمر من الشام كلها كتب إلى عمرو بن العاص أن يسير إلى مصر ، فخرج حتى افتتح باب البون في سنة عشرين ، ثم افتتح القرى ، فأرسل صاحب الإسكندرية إلى عمرو بن العاص : "قد كنت أخرج الجزية إلى من هو أبغض إلي منكم: فارس والروم ، فإن أحببت أن أعطيك الجزية على أن ترد علي ما أصبتم من سبايا أرضي فعلت" .

فبعث إليه عمرو بن العاص: "إن ورائي أميرا لا أستطيع أن أصنع أمرا دونه ، فإن شئت أن أمسك عنك وتمسك عني حتى أكتب إليه" . [ ص: 292 ]

فقال: نعم . فكتب إلى عمر ، فكتب إليه عمر: "اعرض على صاحب الإسكندرية أن يعطيك الجزية على أن تخيروا من في أيديكم من سبيهم بين الإسلام وبين دين قومه ، فمن اختار الإسلام فهو من المسلمين ، ومن اختار دين قومه أدى الجزية كقومه ، فأما من تفرق من سبيهم بأرض العرب ، فبلغ مكة والمدينة واليمن ، فإنه لا يقدر على ردهم" .

فقال صاحب الإسكندرية : قد فعلت ، ثم فتحت لنا الإسكندرية ، فدخلناها .

وقال أبو عمر محمد بن يوسف التجيبي : قال سعيد بن عفير عن أشياخه: لما جاز المسلمون الحصن -يعني حصن مصر- أجمع عمرو على المسير إلى الإسكندرية ، فسار إليها في ربيع الأول سنة عشرين ، وأمر بفسطاطه أن يقوض ، فإذا بحمامة قد باضت في أعلاه فقال: لقد تحرمت بجوارنا ، أقروها الفسطاط حتى تطير فراخها . فأقروا الفسطاط ، ووكل به أن لا تهاج حتى تشتد فراخها ، فبذلك سميت الفسطاط فسطاطا .

[أخبرنا محمد بن الحسين ، وإسماعيل بن أحمد قالا: أخبرنا ابن النقور ، أخبرنا المخلص أحمد بن عبد الله ، حدثنا السري بن يحيى ، أخبرنا شعيب ، حدثنا سيف ، حدثنا أبو عثمان] ، عن خالد وعبادة قالا: خرج عمرو إلى مصر بعد ما رجع عمر إلى المدينة ، حتى انتهى إلى باب مصر ، واتبعه الزبير ، فاجتمعا ، فلقيهم هناك أبو مريم جاثليق مصر ، ومعه الأسقف الذي بعثه المقوقس لمنع بلادهم ، فلما نزل بهم عمرو قاتلوه ، فأرسل إليهم: لا تعجلوا لنقدر إليكم وتروا رأيكم بعد ، فكفوا أصحابكم .

وأرسل إليهم عمرو ، فإني بارز فليبرز إلي أبو مريم وأبو مرياهم . فأجابوه إلى ذلك ، وأمن بعضهم بعضا ، فقال لهما عمرو: أنتما راهبا هذه المدينة فاسمعا: إن الله عز وجل بعث محمدا صلى الله عليه وآله وسلم بالحق ، وأمره به ، فأمرنا به محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وأدى إلينا كل الذي أمر به ، [ ص: 293 ] ثم مضى وقد قضى الذي عليه ، وتركنا على الواضحة ، وكان مما أمرنا به الاعتذار إلى الناس ، فنحن ندعوكم إلى الإسلام ، فمن أجابنا إليه قبلناه ، ومن لم يجبنا إليه عرضنا عليه الجزية ، وقد أعلمنا أننا مفتتحوكم ، وأوصانا بكم حفظا لرحمنا فيكم ، فإن لكم -إن أجبتمونا إلى ذلك- ذمة إلى ذمة ، ومما عهد إلينا أميرنا: "استوصوا بالقبطيين خيرا"؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أوصاني بالقبطيين خيرا؛ لأن لهم رحما وذمة .

فقالا: قرابة بعيدة ، فلا يصل مثلها إلا الأنبياء وأتباع الأنبياء ، معروفة شريفة ، كانت بنت ملكنا ، فصارت إلى إبراهيم ، مرحبا بك وأهلا ، آمنا حتى نرجع إليك .

فقال عمرو: إن مثلي لا يخدع ، ولكني أؤجلكما ثلاثا لتنظرا أو لينظر قومكما ، وإلا ناجزتكم .

فقالا: زدنا . فزادهما يوما ، قالا: زدنا . فزادهما يوما ، فرجعا إلى المقوقس [فهم] ، فأبى أرطبون أن يجيبهما ، وأمر بمناجزتهم ، فركب المسلمون أكتافهم ، وقال أهل الفسطاط -يعني مصر- لملكهم: ما تريد إلى قوم قد قتلوا كسرى وقيصر ، وغلبوهم على بلادهم ، صالح القوم ، وكان صلحهم: هذا ما أعطى عمرو بن العاص أهل مصر الأمان على أنفسهم ، وأموالهم ، وكنائسهم ، وصليبهم ، وعليهم أن يعطوا الجزية ، ومن دخل في صلحهم من الروم والنوب فله مثل ما لهم ، ومن أبى واختار الذهاب فهو آمن حتى يبلغ مأمنه ، فدخل في ذلك أهل مصر ، وقبلوا الصلح .

فمصر عمرو الفسطاط وتركه المسلمون ، وأمره عمر رضي الله عنه عليها ، فأقام بها ، ووضع مسالح مصر على السواحل وغزة ، وكان داعية ذلك أن قيصر غزا مصر والشام في البحر ، ونهد لأهل حمص بنفسه . [ ص: 294 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية