صفحة جزء
ثم دخلت سنة إحدى وعشرين

فمن الحوادث فيها:

أن عمر أمر جيوش العراق بطلب جيوش فارس ، فبعث بعضهم إلى كرمان ، وأصبهان ، وقد قيل: إنما كان ذلك في سنة ثمان عشرة .

[أخبرنا محمد بن الحسين ، وإسماعيل بن أحمد قالا: أخبرنا ابن النقور قال: أخبرنا المخلص قال: حدثنا السري بن يحيى قال: حدثنا شعيب قال: حدثنا سيف ، عن] محمد ، والمهلب ، وطلحة ، وعمرو ، وسعيد قالوا: لما رأى عمر رضي الله عنه يزدجرد يبعث عليه في كل عام حربا ، وقيل: لا يزال على هذا الدأب حتى يخرج من مملكته ، أذن للناس في الانسياح في أرض العجم حتى يغلبوا يزدجرد على ما كان في يد كسرى ، فوجه الأمراء من أهل البصرة عند عمر ، فمنها: أبو النعيم بن مقرن وأمره بالمسير إلى همدان ، وقد كان أهلها كفروا بعد الصلح ، وقالوا له: إن فتح الله عليك فأنت والي ما وراءك كذلك إلى خراسان ، وبعث عتبة بن فرقد ، وبكير بن عبد الله ، وعقد لهما على أذربيجان ، وبعث إلى عبد الله بلواء وأمره أن يسير إلى أصبهان ، وأمده بأبي موسى من البصرة ، فالتقى المسلمون ومقدمة المشركين برستاق من رساتيق أصبهان ، فاقتتلوا قتالا شديدا ، فانهزم أهل أصبهان ، وصالحوا . [ ص: 308 ]

وفي هذه السنة:

ولى عمر عمارا الكوفة ، وابن مسعود بيت مالها ، وعثمان بن حنيف مساحة الأرض .

[أخبرنا محمد بن عبد الباقي قال: أخبرنا الجوهري قال: أخبرنا ابن حيويه قال:

أخبرنا أحمد بن معروف ، قال: أخبرنا الحسين بن الفهم ، قال: حدثنا محمد بن سعد ، قال: أخبرنا وكيع بن الجراح ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن] حارثة بن مصرف قال: قرئ علينا كتاب عمر بن الخطاب : أما بعد ، فإني قد بعثت إليكم عمار بن ياسر أميرا ، وابن مسعود معلما ووزيرا ، وجعلت ابن مسعود على بيت مالكم ، وإنهما لمن النجباء من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، من أهل بدر ، فاسمعوا لهما ، وأطيعوا ، واقتدوا بهما ، وقد آثرتكم بابن أم عبد على نفسي ، وبعثت عثمان بن حنيف على السواد ، ورزقتهما كل يوم شاة ، فاجعلوا شطرها وبطنها لعمار -وفي رواية أخرى: ووليت حذيفة بن اليمان ما سقت دجلة ، ووليت عثمان بن حنيف الفرات وما سقى أذربيجان ، فاجعلوا الشطر الثاني بين هؤلاء الثلاثة- . [أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت] قال: بعث عمر بن الخطاب رضي الله عنه عثمان بن حنيف إلى العراق عاملا ، وأمره بمساحة سقي الفرات ، فمسح الكور والطساسيج بالجانب الغربي من دجلة ، وكان كور فيروز -وهي طسوج الأنبار- وكان أول السواد شربا من الفرات ، ثم طسوج مسكن ، وهو أول حدود السواد في الجانب الغربي من دجلة وشربه من دجيل ، ويتلوه طسوج قطربل ، وشربه أيضا من دجيل ، ثم طسوج بادرويا ، وهو طسوج مدينة السلام ، وكان أجل طساسيج السواد جميعا ، وكان كل طسوج يتقلده فيما يقدم عامل واحد سوى طسوج بادرويا ، فإنه كان يتقلده عاملان لجلالته وكثرة ارتفاعه ، ولم يزل خطيرا عند الفرس ومقدما على ما سواه ، وورد عثمان بن حنيف المدائن في حال ولايته .

[أخبرنا عبد الرحمن بن القزاز قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت [ ص: 309 ] الخطيب ، أخبرنا الحسن بن أبي بكر ، أخبرنا عبد الله بن إسحاق البصري ، أخبرنا علي بن عبد العزيز ، حدثنا أبو عبد الله ، حدثنا الأنصاري محمد بن عبد الله ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ] ، عن أبي مجلز : أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعث عمار بن ياسر إلى أهل الكوفة على صلاتهم وجيوشهم ، وعبد الله بن مسعود على قضائهم وبيت مالهم ، وعثمان بن حنيف على مساحة الأرض ، ثم فرض لهم في كل يوم شاة ، شطرها وسواقطها لعمار ، والشطر الآخر بين هذين الرجلين ، ثم قال: ما أرى قرية يؤخذ منها كل يوم شاة إلا سريعا في خرابها . قال: ومسح عثمان بن حنيف الأرض فجعل على جريب الكرم عشرة دراهم ، وعلى جريب النخل خمسة دراهم ، وعلى جريب القصب ستة دراهم ، وعلى جريب البر أربعة دراهم ، وعلى جريب الشعير درهمين .

[قال أبو عبيد: وحدثنا إسماعيل بن مجالد ، عن أبيه] ، عن الشعبي : أن عمر رضي الله عنه بعث عثمان بن حنيف فمسح السواد ، فوجده ستة وثلاثين ألف ألف جريب ، فوضع على كل جريب درهما وقفيزا .

قال أبو عبيد: وأرى هذا الحديث هو المحفوظ . ويقال: إن حد السواد الذي وقعت عليه المساحة من لدن تخوم الموصل مادا من الماء إلى ساحل البحرين من بلاد عبادان وشرقي دجلة ، هذا طوله . وأما عرضه: فحده منقطع الجبل من أرض حلوان إلى منتهى طرف القادسية المتصل بالعذيب من أرض العرب ، فهذا حدود السواد ، وعليها الخراج وقع .

وفي رواية أبي مجلز قال: بعث عمر بن الخطاب عثمان بن حنيف على خراج السواد ، ورزقه كل يوم ربع شاة وخمسة دراهم ، وأمره أن يمسح السواد عامره وغامره ، ولا يمسح سبخه ولا تلاله ولا أجمه ، ولا مستنقع ماء ، وما لا يبلغه الماء ، فمسح كل شيء [ ص: 310 ] دون الجبل -يعني جبل حلوان- إلى أرض العرب وهو أسفل الفرات ، وكتب إلى عمر: إني وجدت كل شيء بلغه الماء من عامر وغامر ستة وثلاثين ألف ألف جريب ، وكان ذراع عمر الذي مسح به السواد ذراعا وقبضة ، والإبهام مضجعة . وكتب إليه عمر: أن أفرض على كل جريب عامر أو غامر ، عمله صاحبه أو لم يعمله درهما وقفيزا ، وفرض على الكروم كل جريب عشرة دراهم ، وعلى الرطاب خمسة دراهم ، وأطعمهم النخل والشجر ، فقال: هذا قوة لهم على عمارة بلادهم ، وفرض على رقاب أهل الذمة على الموسر ثمانية وأربعين درهما ، وعلى من دون ذلك أربعة وعشرين ، وعلى من لا يجد اثني عشر درهما ، فحمل من خراج سواد الكوفة إلى عمر في أول سنة ستة وثمانون ألف ألف درهم ، وحمل من قابل عشرون ومائة ألف ألف درهم ، فلم يزل على ذلك .

قال المؤلف: وقد ذكرنا أن مقدار هذا الطول مائة وخمسة وعشرون فرسخا ، وقدر العرض ثمانون فرسخا ، فجبى السواد مائة ألف ألف وثمانية وعشرين ألف ألف ، وجباه عمر بن عبد العزيز مائة ألف ألف درهم ، وأربعة وعشرين ألف ألف درهم بعد أن جباه الحجاج بظلمه وعسفه مائة ألف ألف وثمانية عشر ألف ألف درهم ، وكان الحجاج قد منع ذبح البقر ليكثر الحرث . فقال الشاعر:


شكونا إليه خراب السواد فحرم فينا لحوم البقر

وقد كان هذا السواد يجبي في زمان الأكاسرة مائة ألف ألف وخمسين ألف ألف درهم ، وكان خراج مصر في أيام فرعون ستة وتسعين ألف ألف دينار ، فجباها عبد الله بن الحبحاب في أيام بني أمية ألفي ألف وسبع مائة ألف وثلاثة وعشرين ألفا وثمانمائة وسبع دنانير ، وحمل منها عيسى بن موسى في أيام بني العباس ألفي ألف ومائة ألف وثمانين ألف دينار .

وإنما سمي سوادا لأن العرب حين جاءوا نظروا إلى مثل الليل من النخل والشجر والماء فسموه سوادا . [ ص: 311 ]

وذكر بعض أهل العلم أن الفرس كانت تجبي خراج فارس أربعين ألف ألف مثقال ، لأنها بلاد ضيقة ، وتجبي كرمان -لكثرة عيونها وقنبها- ستين ألف ألف مثقال ، لأنها كثيرة العيون ، وتجبي خوزستان خمسين ألف ألف درهم ، والسواد مائة ألف ألف وخمسين ألف ألف درهم ، والجبل والري إلى حلوان ثلاثين ألف ألف سوى خراسان ، ويخففون الخراج على الأطراف .

وذكر بعض العلماء أنه كان خراج مصر ألف ألف وسبعمائة ألف دينار ، وخراج قنسرين والعواصم أربعمائة ألف دينار ، وخراج الموصل أربعة آلاف ألف دينار ، وثلاثة وعشرين ألف دينار .

وفي هذه السنة:

ضربت الدراهم على نقش الكسروية ، وعلى تلك السكك بأعيانها ، إلا أنه جعل فيها اسم الله ، فبعضها كتب فيه: "الحمد لله" ، وبعضها: "محمد رسول الله" ، وبعضها: "لا إله إلا الله" وبعضها "عمر" .

وفيها: سار عمرو بن العاص إلى طرابلس -وهي برقة- وصالح أهلها على ثلاثة عشر ألف دينار .

وفيها: حج عمر بن الخطاب بالناس وخلف على المدينة زيد بن ثابت .

وفيها: ولد الحسن البصري ، وعامر الشعبي .

التالي السابق


الخدمات العلمية