صفحة جزء
باب خلافة علي رضوان الله عليه

قال محمد بن الحنفية رضي الله عنه: كنت مع أبي حين قتل عثمان رضي الله عنه ، فقام فدخل منزله ، فأتاه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا له: إن هذا الرجل قد قتل ، ولا بد للناس من إمام ، ولا نجد اليوم أحدا أحق بهذا الأمر منك ، لا أقدم سابقة ، ولا أقرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال: لا تفعلوا ، فإني أكون وزيرا خير من أن أكون أميرا ، فقالوا: لا والله ما نحن بفاعلين حتى نبايعك ، قال: ففي المسجد ، فإن بيعتي لا تكون إلا عن رضا المسلمين . فدخل المهاجرون والأنصار فبايعوه ، ثم بايعه الناس . وقيل: أول من بايعه طلحة . أنبأنا عبد الوهاب بن المبارك ، قال: أخبرنا أبو الحسين بن عبد الجبار ، قال: حدثنا الحسين بن علي الطناجيري ، قال: أخبرنا عمر بن أحمد بن شاهين ، قال: حدثنا محمد بن سليمان ، قال: حدثنا وهب بن بقية ، قال: أخبرنا هشيم ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس ، قال: رأى أعرابي طلحة يبايع عليا رضي الله عنه ، قال: يد شلاء وأمر لا يتم .

وقال الزهري : أرسل إلى طلحة والزبير فدعاهما إلى البيعة فتلكأ طلحة ، فقال الأشتر وسل سيفه: والله لتبايعن أو لأضربن به بين عينيك ، فقال طلحة: وأين المذهب [ ص: 64 ] عنه ، فبايعه وبايعه الزبير . وهرب قوم إلى الشام فلم يبايعوه ، ولم يبايعه قدامة بن مظعون ، وعبد الله بن سلام ، والمغيرة بن شعبة .

قال حبيب بن محمد الهاشمي: تربص سبعة فلم يبايعوه: سعد ، وابن عمر ، وصهيب ، وزيد بن ثابت ، ومحمد بن مسلمة ، وسلمة بن سلام بن وقش ، وأسامة بن زيد .

وذكر محمد بن سعد أنه بويع لعلي رضي الله عنه بالمدينة ، غداة قتل عثمان ، بايعه طلحة والزبير وسعد وسعيد ، وجميع من كان بالمدينة ، ثم ذكر طلحة والزبير أنهما بايعا كارهين ، فخرجا إلى مكة وبها عائشة رضي الله عنها ، ثم خرجوا إلى البصرة يطالبون بدم عثمان .

أخبرنا محمد بن الحسين ، وإسماعيل بن أحمد ، قالا: أخبرنا ابن النقور ، قال: أخبرنا المخلص ، قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله ، قال: أخبرنا السري بن يحيى ، قال: حدثنا شعيب قال: حدثنا سيف بن عمر ، قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن سواد ، وطلحة بن الأعلم ، وأبو حارثة ، وأبو عثمان ، قالوا: بقيت المدينة بعد قتل عثمان خمسة أيام وأميرها الغافقي يلتمسون من يجيبهم إلى القيام بالأمر فلا يجدونه ، يأتي المصريون عليا فيختبئ منهم ويلوذ بحيطان المدينة ، فإذا لقوه باعدهم وتبرأ منهم ومن مقالتهم مرة بعد مرة ، ويطلب الكوفيون الزبير فلا يجدونه ، فأرسلوا إليه حيث هو رسلا فباعدهم وتبرأ منهم ، ويطلب البصريون طلحة فإذا لقوه باعدهم وتبرأ من مقالتهم مرة بعد مرة ، وكانوا مجتمعين على قتل عثمان مختلفين فيمن يهوون ، فلما لم يجدوا ممالئا ولا مجيبا جمعهم الشر على أول من أجابهم ، وقالوا: لا نولي أحدا من هؤلاء الثلاثة ، فبعثوا إلى سعد بن أبي وقاص ، فقالوا: إنك من أهل الشورى ، ورأينا فيك مجتمع ، فأقدم نبايعك ، فبعث إليهم: إني وابن عمي خرجنا منها فلا حاجة لي فيها على حال ، وتمثل:


لا تخلطن خبيثات بطيبة واخلع ثيابك منها وانج عريانا

[ ص: 65 ] ثم وجدوا سعدا والزبير خارجين من المدينة ، وطلحة في حائط له ، وبني أمية قد هربوا إلا من لم يطق الهرب ، وكان الوليد وسعيد ومروان قد لحقوا بمكة . ثم إنهم لقوا عبد الله بن عمر ، فقالوا: أنت ابن عمر فقم بهذا الأمر ، فقال: إن لهذا الأمر انتقاما ، والله لا أتعرض له ، فالتمسوا غيري . فبقوا حيارى لا يدرون ما يصنعون .

وحدثنا سيف ، عن محمد وطلحة ، قالا: قالوا: يا أهل المدينة قد أجلناكم يومكم ، فو الله لئن لم تفرغوا لنقتلن غدا عليا وطلحة والزبير وأناسا كثيرا ، فغشي الناس عليا ، فقالوا: نبايعك فقد ترى ما نزل بالإسلام ، فقال: دعوني والتمسوا غيري ، فقالوا: ننشدك الله إلا ما فعلت ، فقال: قد أجبتكم لما أرى ، واعلموا أني إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم ، وإن تركتموني فإنما أنا كأحدكم ، إلا أني أسمعكم وأطوعكم .

فلما أصبحوا من يوم الجمعة حضر الناس المسجد ، وجاء علي حتى صعد المنبر ، وجاءوا بطلحة فقالوا: بايع ، فقال: إني إنما أبايع كرها ، فبايع أول الناس ، وكان به شلل ، فقال رجل يعتاف: إنا لله وإنا إليه راجعون ، أول يد بايعت أمير المؤمنين يد شلاء ، لا يتم هذا الأمر . ثم جيء بالزبير فقال مثل ذلك ، ثم بايع . ثم جيء بقوم كانوا قد تخلفوا ، فقالوا: نبايع على إقامة كتاب الله في القريب والبعيد ، والعزيز والذليل ، فبايعهم ، ثم قام العامة فبايعوه .

وبويع علي رضي الله عنه يوم الجمعة لخمس بقين من ذي الحجة . أخبرنا عبد الرحمن بن محمد ، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت ، [أخبرنا أحمد بن علي بن عمر المقرئ ، أخبرنا علي بن أحمد بن أبي قيس ، حدثنا أبو] بكر بن أبي الدنيا ، قال: حدثنا عياش بن هشام ، عن أبيه ، قال: [ ص: 66 ] بويع علي رضي الله عنه بالمدينة يوم الجمعة حين قتل عثمان ، لاثنتي عشرة ليلة بقيت من ذي الحجة ، فاستقبل المحرم سنة ست وثلاثين [قال غير عياش ]: كانت بيعته في دار عمرو بن محصن الأنصاري ، [ثم أحد بني عمرو بن مبذول ] يوم الجمعة ، ثم بويع بيعته العامة من الغد يوم السبت في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية