صفحة جزء
[استئذان طلحة والزبير عليا ]

وحدثنا سيف ، عن محمد وطلحة قالا: استأذن طلحة والزبير عليا في العمرة ، فأذن لهما ، فلحقا بمكة ، وأحب أهل المدينة أن يعلموا ما رأي علي في معاوية ليعرفوا [ ص: 78 ] بذلك رأيه في قتال أهل القبلة ، أيجسر عليه أو ينكل عنه ، وقد بلغهم أن الحسن بن علي دخل عليه ودعاه إلى القعود وترك الناس ، فدسوا إليه زياد بن حنظلة التميمي - وكان منقطعا إلى علي - فدخل عليه فجلس إليه ساعة ثم قال له علي: يا زياد ، تيسر ، فقال: لأي شيء؟ فقال: لغزو الشام ، فقال زياد : الأناة والرفق أمثل ، وقال هذا البيت:


ومن لا يصانع في أمور كثيرة يضرس بأنياب ويوطأ بمنسم

فتمثل علي وكأنه لا يريده يقول:


متى تجمع القلب الذكي وصارما     وأنفا حميا تجتنبك المظالم

فخرج زياد على الناس ، فقالوا: ما وراءك؟ فقال: السيف يا قوم ، فعرفوا ما هو فاعل ، ودعا علي محمد بن الحنفية ، فدفع إليه اللواء ، وولى عبد الله بن عباس ميمنة ، وعمرو بن أبي سلمة - أو عمرو بن سفيان بن عبد الأسد - ولاه ميسرته ، ودعا أبا ليلى بن عمرو بن الجراح ، ابن أخي أبي عبيدة بن الجراح ، فجعله على مقدمته ، واستخلف على المدينة قثم بن عباس ، وكتب إلى قيس بن سعد أن يندب الناس إلى الشام ، وإلى عثمان بن حنيف وإلى أبي موسى مثل ذلك ، وأصر على التهيؤ والتجهز ، وخطب أهل المدينة فدعاهم إلى النهوض في قتال أهل الفرقة ، وقال: انهضوا إلى هؤلاء القوم الذين يريدون تفريق جماعتكم ، لعل الله يصلح بكم ما أفسد أهل الآفاق أو تقضوا الذي عليكم .

فبينا هم كذلك إذ جاء الخبر عن أهل مكة بنحو آخر ، فقام فيهم فقال: ألا وإن طلحة والزبير وأم المؤمنين قد تمالئوا على سخط إمارتي ، وسأصبر ما لم أخف على جماعتكم .

ثم أتاه أنهم يريدون البصرة لمشاهدة الناس والإصلاح ، فتعبى للخروج نحوهم ، فاشتد على أهل المدينة الأمر ، فتثاقلوا ، فبعث إلى عبد الله بن عمر كميلا النخعي ، فجاء به فقال: انهض معي ، فقال: أنا مع أهل المدينة ، إنما أنا رجل منهم ، فإن يخرجوا [ ص: 79 ] أخرج وإن يقعدوا أقعد ، فرجع عبد الله إلى أهل المدينة وهم يقولون: لا والله ما ندري كيف نصنع ، فإن هذا الأمر لمشتبه علينا ، ونحن مقيمون حتى يضيء لنا ويسفر .

فخرج من تحت ليلته وأخبر أم كلثوم بنت علي بالذي سمع من أهل المدينة ، وأنه يخرج معتمرا مقيما على طاعة علي ما خلا النهوض ، وكان صدوقا فاستقر ذلك عندها ، وأصبح علي رضي الله عنه فقيل له: البارحة حدث حدث وهو أشد عليك من طلحة والزبير وأم المؤمنين ومعاوية ، قال: وما ذلك؟ فقال: خرج ابن عمر إلى الشام فأتى على السوق ، ودعا بالظهر فحمل الرجال وأعد لكل طريق طلابا . وماج أهل المدينة ، وسمعت أم كلثوم بالذي هو فيه ، فأتت عليا فقالت: ما لك لا تزند من هذا الرجل؟

وحدثته حديثه وقالت: أنا ضامنة له ، فطابت نفسه وقال: انصرفوا ، إنه عندي ثقة . [فانصرفوا] ، .

وكانت عائشة مقيمة بالمدينة تريد عمرة المحرم ، فلما قضت عمرتها وخرجت سمعت بما جرى فانصرفت إلى مكة وهي لا تقول شيئا ، فنزلت على باب المسجد وقصدت الحجر فسترت فيه ، واجتمع الناس إليها ، فقالت: إن الغوغاء من أهل الأمصار وأهل المياه وعبيد أهل المدينة اجتمعوا على هذا الرجل المقتول بالأمس ، فبادروا بالعدوان فسفكوا الدم الحرام ، واستحلوا البلد الحرام ، وأخذوا المال الحرام ، فاجتماعكم عليهم ينكل بهم غيرهم ، ويشرد بهم من بعدهم ، فقال عبد الله بن عامر الحضرمي: ها أنا لها أول طالب ، فكان أول منتدب .

وحدثنا سيف ، عن عمرو بن محمد ، عن الشعبي ، قال: خرجت عائشة نحو المدينة من مكة بعد مقتل عثمان ، فلقيها رجل من أخوالها ، فقالت: ما وراءك؟ قال: قتل عثمان واجتمع الناس على علي رضي الله عنه ، والأمر أمر الغوغاء . قالت: ما أظن [ ص: 80 ] ذلك تاما ، ردوني ، فانصرفت راجعة إلى مكة حتى إذا دخلتها أتاها عبد الله بن عامر الحضرمي - وكان أمير عثمان عليها - فقال: ما ردك يا أم المؤمنين ؟ قالت: ردني أن عثمان قتل مظلوما ، وأن الأمر لا يستقيم ولهذه الغوغاء أمر ، فاطلبوا بدم عثمان تعزوا الإسلام .

فكان أول من أجابها عبد الله بن عامر الحضرمي ، وذلك أول ما تكلمت بنو أمية بالحجاز ورفعوا رءوسهم ، وقام معهم سعيد بن العاص ، والوليد بن عقبة وسائر بني أمية . وقد قدم عليهم عبد الله بن عامر من البصرة ، ويعلى بن أمية من اليمن ، وطلحة والزبير من المدينة ، واجتمع ملؤهم بعد نظر طويل في أمورهم على البصرة ، وقالت عائشة في مقام آخر: يا أيها الناس ، إن هذا حدث عظيم وأمر منكر ، فانهضوا فيه إلى إخوانكم من أهل البصرة فأنكروه ، فقد كفاكم أهل الشام ما عندهم ، لعل الله عز وجل أن يدرك لعثمان وللمسلمين بثأرهم .

وحدثنا سيف ، عن محمد ، وطلحة ، قالا: كان أول من أجاب إلى ذلك عبد الله بن عامر وبنو أمية ، ثم قدم يعلى بن أمية ومعه ستمائة بعير وستمائة ألف ، فأناخ بالأبطح معسكرا ، وقدم عليهم طلحة والزبير ، فلقيا عائشة رضي الله عنها ، فقالت: ما وراءكما؟ فقالا: إنا تحملنا هرابا من المدينة من غوغاء وأعراب ، وفارقنا قوما حيارى لا يعرفون [حقا] ولا ينكرون باطلا ، فائتمر القوم بالشام .

فقال عبد الله بن عامر: قد كفاكم الشام من يستمر في حوزته ، فقال له طلحة والزبير: فأين؟ قال: البصرة ، فإن لي بها صنائع ، ولهم في طلحة هوى ، فقالوا: يا أم المؤمنين ، دعي المدينة واشخصي معنا إلى البصرة فتنهضيهم كما أنهضت أهل مكة ، فإن أصلح الله الأمر كان الذي تريدين ، وإلا احتسبنا ودفعنا عن هذا الأمر بجهدنا ، قالت: نعم .

فانطلقوا إلى حفصة ، فقالت: رأي تبع لرأي عائشة ، حتى إذا لم يبق إلا [ ص: 81 ] الخروج ، قالوا: كيف نستقل وليس معنا مال نجهز به الناس؟ فقال يعلى بن أمية: معي ستمائة ألف وستمائة بعير فاركبوها ، فقال ابن عامر: معي كذا وكذا فتجهزوا بها .

فنادى المنادي: إن أم المؤمنين وطلحة والزبير شاخصون إلى البصرة ، فمن كان يريد إعزاز الإسلام وقتال المحلين والطلب بثأر عثمان ولم يكن عنده مركب ، ولم يكن له جهاز فهذا جهاز وهذه نفقة ، فحملوا ستمائة رجل على ستمائة ناقة سوى من كان له مركب - وكانوا جميعا ألفا - وتجهزوا بالمال ، ونادوا بالرحيل ، واستقلوا ذاهبين . وأرادت حفصة الخروج ، فأتاها عبد الله بن عمر فطلب إليها أن تقعد فقعدت ، وبعثت إلى عائشة تقول: إن عبد الله حال بيني وبين الخروج ، فقالت: يغفر الله لعبد الله .

وخرج المغيرة بن شعبة ، وسعيد بن العاص معهم مرحلة من مكة ، فقال سعيد للمغيرة: ما الرأي؟ قال: الرأي والله الاعتزال ، فإنهم ما [يفلح أمرهم ، فإن] أظفره الله أتيناه فقلنا: كان صغونا معك ، فجلسا .

وأخبرنا سيف ، عن محمد بن قيس ، عن الأغر ، قال: لما اجتمع إلى مكة بنو أمية ويعلى بن أمية ، وطلحة والزبير ، ائتمروا أمرهم ، واجتمع ملؤهم على الطلب بدم عثمان وقتال السبئية حتى يثأروا ، وأمرتهم عائشة بالخروج إلى المدينة ، واجتمع القوم على البصرة وردوها عن رأيها ، وأمرت على الصلاة عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد ، فكان يصلي بهم .

وحدثنا سيف ، عن سعيد بن عبد الله ، [عن] ابن أبي مليكة ، قال: سمعت [ ص: 82 ] عائشة بخبر عثمان في الطريق ، فرجعت فقالت: ألا إن عثمان عدت عليه الغوغاء ، وضعف عنه أصحابه ، فقتلوه مظلوما ، وإن عليا رضي الله عنه بويع فلم يقو عليهم ، ولا ينبغي له أن يقيم معهم ، فاطلبوا بدم عثمان ، فخرجت لتنهض الناس وترجع .

التالي السابق


الخدمات العلمية