صفحة جزء
[دخولهم البصرة والحرب بينهم وبين عثمان بن حنيف ]

وحدثنا سيف ، عن محمد وطلحة ، قالا: لما كان الناس بفناء البصرة لقيهم عمير بن عبد الله التميمي ، فقال: يا أم المؤمنين ، أنشدك الله أن تقدمي اليوم على قوم لم تراسلي منهم أحدا ، [فأرسلت ابن عامر ] وكتبت إلى رجال من أهل البصرة وإلى الأحنف بن قيس ، فدعا عثمان بن حنيف عمران بن الحصين وألزه بأبي الأسود [ ص: 84 ] الدؤلي ، فقال: انطلقا إلى هذه المرأة فاعلما علمها وعلم من معها . فخرجا فانتهيا إليها ، فاستأذنا فأذن لهما ، فقالا: إن أميرنا بعثنا إليك يسألك عن مسيرك ، فهل أنت مخبرتنا؟ فقالت: والله ما مثلي يسير بالأمر المكتوم ، إن الغوغاء من أهل الأمصار [ونزاع القبائل] غزوا حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحدثوا فيه الأحداث وآووا فيه المحدثين ، فاستحلوا الدم الحرام فسفكوه وانتهبوا ، فخرجت في المسلمين أعلمهم ما أتى هؤلاء القوم وما ينبغي لهم أن يأتوا في إصلاح هذا .

فخرجا من عندها فأتيا طلحة ، فقالا: ما أقدمك؟ قال: الطلب بدم عثمان ، قالا: ألم تبايع عليا ؟ قال: بلى ، واللج على عنقي ، وما أستقيل عليا إن هو لم يحل بيننا وبين قتلة عثمان ، ثم أتيا الزبير فقالا له مثل ما قالا لطلحة ، فقال مثل ذلك . فنادى عثمان بن حنيف في الناس وأمرهم بلبس السلاح ، وقام رجل فقال للناس: يا أيها الناس ، إن هؤلاء القوم إن كانوا جاءوا خائفين فقد جاءوا من المكان الذي يأمن به الطير ، وإن كانوا جاءوا يطلبون بدم عثمان فما نحن بقتلة عثمان . أطيعوني ، وردوهم . فقال الأسود بن سريع: إنما فزعوا إلينا ليستعينوا بنا على قتلة عثمان ، فحصبه الناس ، فتكلم طلحة فدعا إلى الطلب بدم عثمان ، فتحاصب الناس ، فتكلمت عائشة وقالت: ينبغي أخذ قتلة عثمان ، فتحاصب القوم .

وأقبل حكيم بن جبلة ، فأنشب القتال ، وأصحاب عائشة كافون إلا ما دافعوا عن أنفسهم ، فغدا حكيم بن جبلة يبربر وفي يده الرمح ، فقال له رجل من عبد القيس : من الذي تسب؟ قال: عائشة ، قال: يا ابن الخبيثة ، ألأم المؤمنين تقول هذا ، فوضع حكيم السنان بين ثدييه فقتله . ثم اقتتلوا قتالا شديدا ، ومنادي عائشة يناشدهم ويدعوهم إلى الكف فيأبون ، فقالت عائشة: لا تقتلوا إلا من قاتلكم ، ونادوا: من لم يكن من قتلة عثمان فليكفف عنا ، فإنا لا نريد إلا قتلة عثمان ، فأنشب حكيم القتال ، فاقتتلوا أشد قتال . [ ص: 85 ] وكانت الوقعة لخمس ليال بقين من ربيع الآخرة سنة ست وثلاثين .

فلما نزل علي رضي الله عنه على الثعلبية أتاه الخبر بما لقي عثمان بن حنيف [ثم أتاه ما لقي حكيم بن جبلة ، ولما انتهوا إلى ذي قار انتهى إليه فيها عثمان بن حنيف ] وليس في وجهه شعرة . وأتاه الخبر بما لقيت ربيعة ، وخروج عبد القيس ، وخرج إلى علي خلق كثير من أهل الكوفة ، فدعا علي القعقاع بن عمرو فأرسله إلى أهل البصرة ، وقال: الق هذين الرجلين فادعهما إلى الألفة والجماعة ، وعظم عليهما الفرقة .

فخرج القعقاع حتى أتى البصرة ، فبدأ بعائشة فسلم عليها ، فقال: أي أماه ، ما أشخصك وما أقدمك على هذه البلدة؟ قالت: أي بني ، إصلاح بين الناس ، قال: فابعثي إلى طلحة والزبير حتى تسمعي كلامي وكلامهما ، فبعثت إليهما ، فجاءا ، فقال: إني سألت أم المؤمنين ما أشخصها فقالت: الإصلاح بين الناس ، فما تقولان أنتما ، أمتابعين أم مخالفين؟ قالا: متابعين ، قال: فأخبراني ما وجه هذا الإصلاح ، فو الله لئن عرفناه لنصلحن ، ولئن أنكرناه لا يصلح ، قالا: قتلة عثمان ، فإن هذا إن ترك كان تركا للقرآن ، وإن أعمل به كان إحياء للقرآن ، فقال: قد قتلتما قتلة أمير المؤمنين من أهل البصرة ، قتلتم ستمائة إلا رجلا ، قالت أم المؤمنين: فتقول أنت ماذا؟ قال: أقول إن هذا الأمر دواؤه التسكين ، وإذا سكن اختلجوا ، فإن أنتم بايعتمونا فعلامة خير ، ودرك بثأر هذا الرجل ، وسلامة لهذه الأمة ، وإن أنتم أبيتم إلا مكابرة هذا الأمر واعتسافه ، كانت علامة الشر ، فكونوا مفاتيح الخير ، فقالوا له: قد أحسنت فارجع ، فإن قدم علي وهو على مثل رأيك صلح هذا الأمر ، فرجع إلى علي ، فأخبره فأعجبه ذلك ، وأشرف القوم على الصلح ، وأقبلت وفود البصرة نحو علي . وجاءت وفود تميم وبكر ، فجمع علي الناس وقام ، فذكر إنعام الله تعالى على هذه الأمة بالاجتماع إلى أن قال: ثم حدث هذا الحدث الذي جره على هذه الأمة أقوام [ ص: 86 ] طلبوا [هذه] الدنيا ، وحسدوا من أفاءها الله عليه ، ألا وإني راحل غدا ، فارتحلوا ، ولا يرتحلن أحد أعان على عثمان بشيء ، وليغن السفهاء عني أنفسهم .

فاجتمع نفر ، منهم علباء بن الهيثم ، وعدي بن حاتم ، وسالم بن ثعلبة القيسي ، وشريح بن أوفى بن ضبيعة ، والأشتر ، في عدة ممن سار إلى عثمان ، ورضي مسير من سار ، وجاء معهم المصريون : ابن السوداء ، وخالد بن ملجم ، وتشاوروا ، [فقالوا]: ما الرأي؟ وهذا والله علي وهو أبصر [الناس] بكتاب الله ، [وأقرب] ممن يطلب قتلة عثمان ، وأقربهم إلى العمل بذلك ، وهو يقول ما يقول ، فكيف به إذا شام القوم وشاموه ، ورأوا قتلنا ، وقتلنا في كثرتهم ، إياكم والله ترادون . فقال الأشتر: أما طلحة والزبير فقد عرفنا أمرهما ، وأما علي فلم نعرف أمره حتى كان اليوم ، ورأي الناس فينا واحد ، وإن يصطلحوا على دمائنا فهلموا نتواثب على علي فنلحقه بعثمان ، فتعود فتنة يرضى منا فيها بالسكوت .

فقال عبد الله بن السوداء: بئس الرأي رأيت ، نحن نحو من ستمائة ، وهذا ابن الحنظلية وأصحابه في خمسة آلاف بالأسواق ، إلى أن يجدوا إلى قتالكم سبيلا .

وقال علباء بن الهيثم: انصرفوا بنا عنهم ودعوهم وارجعوا ، فتعلقوا ببلد من البلدان حتى يأتيكم فيه من تتقون به ، و [امتنعوا من الناس] . قال ابن السوداء: بئس ما رأيت ، ود والله الناس أنكم على جديلة ، ولم تكونوا مع أقوام براء ، ولو كان الذي [ ص: 87 ] تقول لتخطفكم كل شيء . وقال ابن السوداء: إذا التقى الناس غدا فانشبوا القتال ، ولا تدعوهم يفرغون للنظر ، فإذا من أنتم معه لا يجد بدا من أن يمتنع ، فيشغل الله عليا وطلحة والزبير ، ومن رأى رأيهم عما تكرهون فتفرقوا على مثل ذلك والناس لا يشعرون .

وأصبح علي رضي الله عنه على ظهر ، فمضى ومضى الناس ، وقام علي فخطبهم وقال: يا أيها الناس ، كفوا أيديكم وألسنتكم عن هؤلاء القوم فإنهم إخوانكم ، ومضى حتى أطل على القوم ، فبعث إليهم حكيم بن سلامة ، ومالك بن حبيب ، فقال: إن كنتم على ما فارقتم عليه القعقاع بن عمرو فكفوا وأقرونا ننزل وننظر في هذا الأمر ، فقال له الأحنف بن قيس: إن قومنا بالبصرة يزعمون أنك إن ظهرت عليهم ستقتل رجالهم وتسبي نساءهم . فقال: ما مثلي يخاف هذا منه ، وهل يحل هذا إلا ممن تولى وكفر ، وهم قوم مسلمون ، فهل أنت مغن عني قومك؟ قال: نعم ، فاختر مني واحدة من اثنتين ، إما أن آتيك فأكون معك بنفسي ، وإما أن أكف عنك عشرة آلاف سيف .

فرجع إلى الناس فدعاهم إلى القعود وارتحل حتى نزل بحذاء القوم والناس لا 33 أيشكون في الصلح ، ومع عائشة ثلاثون ألفا ، ومع علي عشرون ألفا ، فلما نزل الناس واطمأنوا خرج علي وخرج طلحة والزبير ، فتواقفوا ، وتكلموا فيما اختلفوا فيه ، فلم يجدوا أمرا هو أمثل من الصلح ووضع الحرب ، فافترقوا عن موقفهم على ذلك ، ورجع علي إلى عسكره ، ورجع وطلحة والزبير إلى عسكرهما .

التالي السابق


الخدمات العلمية