صفحة جزء
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

311 - إبراهيم القبطي ، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يكنى أبا رافع :

شهد فتح مصر واختط بها ، وروى عنه من أهلها علي بن رباح ، وصار أبو رافع بعد ذلك إلى علي بن أبي طالب ، فولاه بيت مال الكوفة . وتوفي بالكوفة في هذه السنة ، رضي الله عنه .

312 - الأشعث بن قيس بن معديكرب بن معاوية بن جبلة بن عدي بن ربيعة ، أبو محمد :

قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد كندة ، ثم رجع إلى اليمن ، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتد فأخذ وحمل إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه مقيدا ، فأسلم ومن عليه وزوجه أخته . [ ص: 168 ]

وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وشهد مع سعد قتال الفرس بالعراق ، وكان على راية كندة بصفين مع علي رضي الله عنه ، وحضر قتال الخوارج بالنهروان ، وورد المدائن ثم عاد إلى الكوفة فأقام بها حتى مات في الوقت الذي صالح فيه الحسن معاوية ، وتوفي ابن ثلاث وستين سنة .

313 - بشير بن عبد المنذر ، أو لبابة :

رده رسول الله صلى الله عليه وسلم من الروحاء حين خرج إلى بدر ، واستعمله على المدينة وضرب له بسهمه وأجره ، فكان كمن شهدها ، وشهد أحدا ، واستخلفه على المدينة حين خرج إلى غزاة السويق ، وكانت معه راية بني عمرو بن عوف في غزاة الفتح ، وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جميع المشاهد ، ولما استشاروه ببني قريظة أشار إليهم أنه الذبح ، ثم ندم فارتبط إلى أسطوانة حتى تاب الله عليه .

314 - تميم بن أوس بن خارجة بن سويد الداري ، ويكنى أبا رقية :

وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم مع جماعة الداريين عند منصرفه من تبوك ، فأقاموا حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم .

أخبرنا أبو بكر بن عبد الباقي ، قال: أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري ، قال: أخبرنا ابن حيوية ، قال: أخبرنا أحمد بن معروف ، قال: أخبرنا الحسين بن الفهم ، قال: أخبرنا محمد بن سعد ، قال: أخبرنا محمد بن عمر ، قال: حدثني العطاف بن خالد ، عن خالد بن سعيد ، قال: قال تميم الداري : كنت بالشام حين بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فخرجت إلى بعض حاجتي ، فأدركني الليل ، فقلت: أنا في جوار عظيم هذا الوادي الليلة . قال: فلما أخذت مضجعي إذ مناد ينادي لا أراه: عذ بالله فإن الجن لا تجير أحدا على الله ، فقلت: ما تقول؟ قال: قد خرج رسول الله الأمين وصلينا خلفه بالحجون وأسلمنا واتبعناه ووهن كيد الجن ورميت بالشهب ، وانطلق إلى محمد فأسلم ، فلما أصبحت ذهبت إلى دير أيوب فسألت [ ص: 169 ] راهبا به وأخبرته الخبر ، فقال: قد صدقوك ، نجده قد خرج من الحرم وهو خير الأنبياء فلا تسبق إليه ، قال: فتكلفت الشخوص حتى جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسلمت .

قال محمد بن سعد: وأخبرنا عبد الوهاب بن عطاء ، قال: أخبرنا خالد الحداء ، عن أبي قلابة ، قال: كان تميم الداري يختم القرآن في سبع ليال .

قال علماء السير: استأذن تميم عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يقص على الناس ، فأذن له ، فلما قتل عثمان رضي الله عنه تحول إلى الشام .

315 - الحارث بن خزمة بن عدي بن أبي بن غنم ، أبو بشير :

شهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوفي في هذه السنة ، وهو ابن سبع وستين سنة .

316 - خارجة بن حذافة بن غانم :

شهد الفتح بمصر ، واختط بها ، وكان أمير المدد الذين أمد بهم عمر بن الخطاب . وكان على شرطة مصر في إمرة عمرو بن العاص لمعاوية ، قتله خارجي بمصر في هذه السنة وهو يظن أنه عمرو بن العاص .

317 - خوات بن جبير ، أبو عبد الله ، وقيل أبو صالح الأنصاري المديني:

وهو صاحب ذات النحيين في الجاهلية التي ضرب بها المثل ، فقيل: "أشغل من ذات النحيين" .

أسلم خوات وخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم [إلى بدر ] ، فأصابه بالروحاء حجر ، فكسر ، فرده النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، وضرب له بأجره وبسهمه فكان كمن شهدها . [ ص: 170 ]

وذكر البخاري في تاريخه: عن ابن عيينة أنه شهد بدرا .

وقد شهد أحدا والمشاهد بعدها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .

فأما قصة ذات النحيين:

فأنبأنا أبو الفضل محمد بن ناصر الحافظ ، قال: أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن سعيد بن عبد الله الحبال ، قال: أخبرنا أبو العباس أحمد بن محمد الإشبيلي ، وأبو الحسن الحصيب بن عبد الله بن محمد القاضي ، وأبو علي محسن بن جعفر بن أبي الكرام ، قالوا: أخبرنا أبو عمرو عثمان بن محمد بن أحمد السمرقندي ، قال: أخبرنا أبو جعفر محمد بن سليمان بن داود المنقري البصري ، قال: حدثني عيسى بن إبراهيم ، قال: حدثنا عفيف بن سالم الموصلي ، عن عثمان بن واقد ، قال: قال خوات بن جبير: كنت صاحب ذات النحيين في الجاهلية - والنحي الزق الصغير - وإني أتيت سوق عكاظ فإذا أنا بجارية معها نحيان من سمن كأنها فلقة قمر ، فقلت لها: من أنت؟ قالت:

أنا سلمى بنت يعار الخثعمية ، فقلت: لعل سمنك هذا مشوبا؟ فقالت: سبحان الله ، أو تشيب الحرة؟ فقلت لها: انزلي إلى بطن الوادي لأذوق سمنك ، فنزلت فأخذت إحدى النحيين فذقته ، ثم قلت لها: ما هذا بمشوب ، ثم دفعته إليها في يدها مفتوحا ، ثم أخذت الآخر فذقته ثم دفعته إليها في يدها اليسرى ، ثم شددت عليها فقضيت منها حاجتي ، وكرهت أن ترسله ، وكان قوت أهلها ، فذهبت مثلا: "أشغل من ذات النحيين" ثم أسلمت وهاجرت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فبينما أنا في بعض طريق المدينة إذا أنا ببغي من بغايا الجاهلية قد كانت لي خلا فحجبني إسلامي عنها ، ودعتني نفسي إليها ، فلم أزل ألتفت إليها حتى تلقاني جدار بني جذرة ، فسالت الدماء وهشم وجهي ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم على تلك الحالة ، فقال: "مهيم" فأخبرته ، فقال: "فلا تعد ، إن الله عز وجل إذا أراد بعبد خيرا عجل له عقوبته في الدنيا" .

ثم مر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ليال وأنا جالس مع نسوان من نسوان أهل المدينة تناشدنني وتضاحكنني وتمازحنني ، قال: فعلمت أنه قد رآني ، قال: فمضى ولم يقل [ ص: 171 ] شيئا ، فلما أن كان من الغد غدوت عليه ، فلما رآني قال: "يا خوات أما آن لذلك البعير أن يرجع عن شروده" قال: قلت: والله يا رسول الله ما شرد منذ أسلمت ، قال: "صدقت ولكن لا تعد إلى ذلك المجلس فإنه مجلس الشيطان"
.

[قال مؤلف الكتاب رحمه الله]: قد فسر هذا الحديث أبو عبيدة الهروي وقال: عرض له رسول الله صلى الله عليه وسلم بقصته مع ذات النحيين . قال: وأراد بقوله: "شروده" أنه لما فعل ذلك شرد في الأرض خوفا ، وليس هذا بشيء ، فإنه ما كان ليعيره بشيء كان في الجاهلية ، وإنما لامه على مجالسته النسوان بعد الإسلام . وقد روى ذلك لنا في حديث أبين من هذا .

أنبأنا إسماعيل بن أحمد ، قال: أخبرنا أبو الحسين أحمد بن محمد بن النقور ، قال: أخبرنا القاضي أبو محمد عبد الله بن محمد الأسدي ، قال: حدثنا زكريا بن يحيى بن الحارث البصري ، قال: حدثنا وهب بن جرير ، عن أبيه ، قال: سمعت زيد بن أسلم يحدث أن خوات بن جبير ، قال: نزلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مر الظهران ، فخرجت من خبائي ، فإذا [أنا] بنسوة يتحدثن فأعجبنني فرجعت ، فاستخرجت حلة لي من عيبتي فلبستها ، ثم جلست إليهن ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبته ، فقال لي: "يا عبد الله ما يجلسك إليهن"؟ قال: فهبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت: يا رسول الله جمل لي شرود أبتغي له قيدا قال: فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبعته ، فألقى إلي رداءه ودخل الأراك فقضى حاجته وتوضأ ، ثم جاء فقال: "أبا عبد الله ، ما فعل شراد جملك؟ " قال: فتعجلت إلى المدينة ، فاجتنبت المسجد ومجالسة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما طال ذلك علي تحينت ساعة خلوة للمسجد فجعلت أصلي ،

فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعض حجره فجاء فصلى ركعتين خفيفتين ثم جلس ، [ ص: 172 ] وطولت رجاء أن يذهب ويدعني ، فقال: "طول يا أبا عبد الله ما شئت ، فلست بنازح حتى تنصرف" فقلت: والله لأعتذرن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأبرئن صدره .

قال: فانصرفت ، فقلت: السلام عليك يا رسول الله ، فقال: "أبا عبد الله ما فعل شراد الجمل؟ " فقلت: يا رسول الله ، والذي بعثك بالحق ما شرد ذلك الجمل منذ أسلمت ، فقال: "رحمك الله" مرتين أو ثلاثا ، ثم أمسك عني فلم يعد
.

توفي خوات بن جبير بالمدينة في هذه السنة وهو ابن أربع وسبعين سنة ، وكان ربعة من الرجال .

التالي السابق


الخدمات العلمية