صفحة جزء
وفي هذه السنة توفي معاوية ، وبويع لابنه يزيد .

[ ص: 322 ] باب ذكر بيعة يزيد بن معاوية بن أبي سفيان

ويكنى أبا خالد ، ولد سنة ست وعشرين هو وعبد الملك ، وأمه ميسون بنت بحدل ، وكان له أولاد جماعة ، فمنهم : معاوية ابنه ، وولي الخلافة بعده أياما . ومنهم : عاتكة ، تزوجها عبد الملك بن مروان ، فولدت له أربعة أولاد ، وهذه عاتكة كان لها اثنا عشر محرما كلهم خلفاء : أبوها يزيد ، وجدها معاوية ، وأخوها معاوية بن يزيد ، وزوجها عبد الملك ، وحموها مروان بن الحكم ، وابنها يزيد بن عبد الملك ، وابن أبيها الوليد بن يزيد ، وبنو زوجها : الوليد ، وسليمان ، وهشام ، وابنا ابن زوجها : يزيد وإبراهيم ، ابنا الوليد بن عبد الملك . ولم يتفق مثل هذا لامرأة سواها .

وقد أسند يزيد بن معاوية الحديث ، فروى عن أبيه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وإسنادنا إليه متصل ، غير أن الإمام أحمد سئل : أيروى عن يزيد الحديث ؟ فقال : لا ، ولا كرامة ، فلذلك امتنعنا أن نسند عنه .

وقد ذكرنا أن معاوية لما مات كان ابنه يزيد غائبا ، فلما سمع بموت أبيه معاوية قدم وقد دفن ، فبويع له وهو ابن اثنتين وثلاثين سنة وأشهر ، فأقر عبيد الله بن زياد على البصرة ، والنعمان بن بشير على الكوفة ، وكان أمير مكة عمرو بن سعيد بن العاص ، وأمير المدينة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان ، ولم يكن ليزيد هم حين ولي إلا [ ص: 323 ] بيعة النفر الذين أبوا على أبيه الإجابة إلى بيعة يزيد ، فكتب إلى الوليد بن عتبة : أما بعد ، فخذ حسينا وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن الزبير بالبيعة أخذا شديدا ليست فيه رخصة حتى يبايعوا ، والسلام .

فبعث إلى مروان ، فدعاه واستشاره وقال : كيف ترى أن أصنع ؟ قال : إني أرى أن تبعث الساعة إلى هؤلاء النفر فتدعوهم إلى البيعة ، فإن فعلوا قبلت ، وإن أبوا ضربت أعناقهم قبل أن يعلموا بموت معاوية ، فإنهم إن علموا بموته وثب كل واحد منهم في جانب ، فأظهر الخلاف والمنابذة ، إلا أن ابن عمر لا أراه يرى القتال ، ولا يحب الولاية ، إلا أن تدفع إليه عفوا .

وأرسل عبد الله بن عمرو بن عثمان وهو غلام حدث إلى الحسين وابن الزبير يدعوهما ، فوجدهما في المجلس جالسين فقالا : أجيبا الأمير . فقالا له : انصرف ، فالآن نأتيه : ثم أقبل ابن الزبير على الحسين فقال له : ما تظن فيما بعث إلينا ؟ فقال الحسين : أظن طاغيتهم قد هلك ، وقد بعث هذا إلينا ليأخذنا بالبيعة قبل أن يفشوا الخبر . قال : وأنا ما أظن غيره ، فما تريد أن تصنع ؟ قال : اجمع فتياني الساعة ، ثم أسير إليه ، فإذا بلغت الباب احتبستهم . قال : فإني أخافه عليك إذا دخلت قال : لا آتيه إلا وأنا على الامتناع .

قال : فجمع مواليه وأهل بيته ، ثم قام يمشي حتى انتهى إلى باب الوليد وقال لأصحابه : إني داخل ، فإن دعوتكم أو سمعتم صوتي قد علا فاقتحموا علي بأجمعكم ، وإلا فلا تبرحوا حتى أخرج . فدخل وعنده مروان ، فسلم عليه بالإمرة وجلس ، فأقرأه الوليد الكتاب ، ونعى إليه معاوية ، ودعاه إلى البيعة ، فقال الحسين إنا لله وإنا إليه راجعون رحم الله معاوية ، وعظم لك الأجر ، أما ما سألتني من البيعة فإن مثلي لا يعطي بيعته سرا ، ولا أراك تجتزي مني سرا دون أن تظهرها على رءوس الناس علانية قال : أجل ، قال : فإذا خرجت إلى الناس فدعوتهم إلى البيعة دعوتنا مع الناس فكان أمرا واحدا . فقال له الوليد وكان يحب العافية ، فانصرف على اسم الله حتى تأتينا مع جماعة الناس . فقال له مروان والله إن فارقك الساعة ولم يبايع لا قدرت منه على مثلها أبدا حتى تكثر القتلى بينك وبينه ، احبس الرجل ولا يخرج من عندك حتى يبايع أو [ ص: 324 ] تضرب عنقه . فوثب الحسين عند ذلك فقال : يا ابن الزرقاء ، أنت تقتلني أو هو ؟ كذبت والله وأثمت . ثم خرج فقال مروان : والله لا يمكنك من مثلها من نفسه ، فقال الوليد :

والله ما أحب أن لي ما طلعت عليه الشمس وغربت ، وإني قتلت حسينا . وأما ابن الزبير فقال : الآن آتيكم . ثم أتى داره ، فكمن فيها ، فأكثر الرسل إليه ، فبعث إليه جعفر بن الزبير فقال له : إنك قد أفزعت عبد الله [بكثرة ] رسلك ، وهو يأتيك غدا إن شاء الله . وخرج ابن الزبير من ليلته ، فتوجه نحو مكة هو وأخوه جعفر ليس معهما ثالث ، وتنكب الجادة ، فبعث وراءه من يطلبه فلم يقدروا عليه ، وتشاغلوا عن الحسين عليه السلام في ذلك اليوم ، فخرج من الليل ببنيه وإخوته وبني أخيه وأهل بيته إلى مكة لليلتين بقيتا من رجب ، فدخلها ليلة الجمعة لثلاث مضين من شعبان ، وكان مخرج ابن الزبير قبله بليلة .

ثم بعث الوليد إلى عبد الله بن عمر فقال : بايع ليزيد ، فقال : إذا بايع الناس بايعت .

التالي السابق


الخدمات العلمية