صفحة جزء
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

402 - بلال بن الحارث ، أبو عبد الرحمن

وهو من بني قرة بن مازن ، بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مزينة ومعه عمرو بن عوف يستنفرانهم حين أراد أن يغزو مكة ، وحمل بلال أحد ألوية مزينة الثلاثة التي عقدها لهم

[ ص: 330 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح ، وكان يسكن جبل مزينة ويأتي المدينة كثيرا .

وتوفي في هذه السنة وهو ابن ثمانين سنة .

403 - خراش بن أمية بن ربيعة ، أبو نضلة :

شهد المريسيع والحديبية ، وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قريش على جمل له يقول : إنما جئنا معتمرين ولم نأت لقتال ، فعرفوا جمل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأرادوا قتال خراش فمنعه من هناك من قومه ، فرجع وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما لقي ، وقال : ابعث أمنع مني ، فدعا عمر فقال : يا رسول الله ، قد عرفت قريش عداوتي لها ، وليس بها من بني عدي من يمنعني ، فإن أحببت دخلت عليهم ، فلم يقل لهم النبي صلى الله عليه وسلم شيئا ، فقال عمر : لكني أدلك على رجل أعز مني بمكة وأكثر عشيرة ، وأمنع : عثمان ، فدعاه ، فبعثه إليهم .

وخراش هو الذي حلق رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية ، وحلقه أيضا في عمرة الجعرانة ، وما زال يغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن قبض ، ومات في آخر خلافة معاوية .

404 - صفوان بن المعطل بن رحضة بن المؤمل بن خزاعي ، أبو عمرو :

أسلم قبل غزاة المريسيع ، وشهدها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان يومئذ على ساقة الناس من ورائهم ، واتفق أن عقد عائشة ضاع ، فأقامت على التماسه ، فرحل القوم ، فجاء صفوان فرآها ، فأناخ بعيره ، فركبت ، فلحق بها الجيش ، فتكلم أهل الإفك ، فحلف صفوان لئن أنزل الله عذره ليضربن حسان بن ثابت بالسيف . فلما نزل العذر ضرب حسان بن ثابت بالسيف على كتفه ، فأخذه قوم حسان ، وأتوا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفعه إليهم ليقتصوا منه ، فلما أدبروا بكى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقيل لهم : هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكي . فترك حسان ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي عليه السلام : دعوا حسان ، فإنه يحب الله ورسوله ، وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم حسانا شبرين عوضا .

ثم شهد صفوان الخندق ، والمشاهد بعدها ، وكان مع كرز بن جابر في طلب العرنيين الذين أغاروا على لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وتوفي بشمشاط في هذه السنة .

[ ص: 331 ] 405 - عبد الله بن ثوب ، أبو مسلم الخولاني :

أخبرنا ابن ناصر قال : أخبرنا أحمد بن أحمد قال : حدثنا أبو نعيم الأصبهاني قال : حدثنا أبو أحمد محمد بن أحمد قال : حدثنا عبد الملك بن محمد بن عدي قال : حدثنا صالح بن علي النوفلي قال : حدثنا عبد الوهاب بن نجدة قال : حدثنا إسماعيل بن عباس ، عن شرحبيل بن مسلم الخولاني قال :

بينا الأسود بن قيس العنسي باليمن فأرسل إلى أبي مسلم فقال له : أتشهد أن محمدا رسول الله ؟ قال : نعم قال : فتشهد أني رسول الله ؟ قال : ما أسمع ، قال : أتشهد أن محمدا رسول الله ؟ قال : نعم . قال : فتشهد أني رسول الله . قال : ما أسمع قال : فأمر بنار عظيمة فأججت ، فطرح فيها أبو مسلم فلم تضره ، فقال له أهل مملكته : إن تركت هذا في بلادك أفسدها عليك . فأمره بالرحيل ، فقدم المدينة وقد قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر ، فقام إلى سارية من سواري المسجد يصلي ، فبصر به عمر بن الخطاب فقال : من أين الرجل ؟ قال : من اليمن . قال : فما فعل عدو الله بصاحبنا الذي حرقه بالنار فلم تضره ؟ فقال : ذاك عبد الله بن ثوب . قال : نشدتك بالله أنك هو . قال : اللهم نعم . قال : فقبل ما بين عينيه ، ثم جاء به حتى أجلسه بينه وبين أبي بكر ، وقال : الحمد لله الذي لم يمتني حتى أراني من أمة محمد صلى الله عليه وسلم من فعل به كما فعل بإبراهيم خليل الرحمن عليه السلام .

أخبرنا محمد بن ناصر الحافظ قال : حدثنا أحمد بن أحمد الحداد قال : أخبرنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله قال : حدثنا محمد بن أحمد قال : حدثنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا أبو زرعة قال : حدثنا سعيد بن أسد ، قال : حدثنا ضمرة عن عثمان بن عطاء ، عن أبيه قال :

كان أبو مسلم الخولاني إذا انصرف من المسجد إلى أهله كبر على باب منزله ، فتكبر امرأته ، فإذا كان في صحن داره كبر فتجيبه امرأته . فانصرف ذات ليلة ، فكبر عند باب داره ، فلم يجبه أحد ، فلما كان في الصحن كبر ، فلم يجبه أحد ، فلما كان في باب [ ص: 332 ] بيته [كبر ] فلم يجبه أحد ، وكان إذا دخل بيته أخذت امرأته رداءه ونعليه ، ثم أتته بطعامه . قال : فدخل ، فإذا البيت فيه سراج ، وإذا امرأته جالسة منكسة تنكث بعود معها ، فقال لها : ما لك ؟ قالت : أنت لك منزلة من معاوية ، وليس لنا خادم ، فلو سألته فأخدمنا وأعطاك . فقال : اللهم من أفسد علي امرأتي فأعم بصره . قال : وكانت قد جاءتها امرأة قبل ذلك فقالت : زوجك له منزلة من معاوية ، فلو قلت له كتب إلى معاوية بخدمة ويعطيه عشتم . قال : فبينا تلك المرأة جالسة في بيتها أنكرت بصرها ، فقالت : ما لسراجكم طفئ ؟ قالوا : لا فعرفت ذنبها ، فأقبلت إلى أبي مسلم تبكي وتسأله أن يدعو لها الله عز وجل أن يرد عليها بصرها . فرحمها أبو مسلم ، فدعا الله عز وجل فرد عليها بصرها . وفي رواية : فرجعت .

406 - معاوية بن أبي سفيان :

أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي قال : أخبرنا الجوهري قال : أخبرنا ابن حيوية قال : أخبرنا أحمد بن معروف قال : أخبرنا الحسين بن الفهم قال : حدثنا محمد بن سعد قال : أخبرنا أبو عبيدة ، عن أبي يعقوب الثقفي ، عن عبد الملك بن عمير قال :

لما ثقل معاوية وتحدث الناس أنه الموت ، قال لأهله : احشوا عيني أثمدا ، وأوسعوا رأسي دهنا . ففعلوا ، وبرقوا وجهه بالدهن ، ثم مهد له فجلس ، فقال : اسندوني . ثم قال : ائذنوا للناس فليسلموا قياما ، ولا يجلس أحد . فجعل الرجل يدخل فيسلم قائما ، فيراه مكتحلا مدهنا ، فيقول : يقول الناس هو لما به ، وهو أصح الناس . ولما خرجوا من عنده قال :


وتجلدي للشامتين أريهم أني لريب الدهر لا أتضعضع     وإذا المنية أنشبت أظفارها
ألفيت كل تميمة لا تنفع



[ ص: 333 ] قال : وكان به الثفاثة مات من يومه ذلك .

قال علماء السير : أوصى معاوية فقال : شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما قلم أظفاره وأخذ من شعره ، فجمعت ذلك فهو عندي ، وأعطاني قميصه ، فاجعلوه على جسدي ، واسحقوا قلامة الأظفار فاجعلوها في عيني ، واحشوا بالشعر فمي وأنفي ، فغشي ، فأخرجت أكفانه فوضعت على المنبر ، وقام الضحاك بن قيس الفهري خطيبا ، فقال : إن معاوية قد قضى نحبه ، وهذه أكفانه ، ونحن مدرجوه فيها ، ومدخلوه قبره ، ومخلوه وعمله ، إن شاء ربه رحمه ، وإن شاء عذبه .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال : أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال : أخبرنا أبو الفضل قال : أخبرنا عبد الله بن جعفر قال : حدثنا يعقوب بن سفيان قال : حدثني يحيى بن عبد الله ، عن بكير ، عن الليث قال :

توفي معاوية في رجب لأربع ليال خلت من سنة ستين ، وكانت خلافته عشرين سنة وخمسة أشهر .

وقيل : تسع عشرة سنة وثلاثة أشهر .

قال الواقدي : وسبعة وعشرين يوما .

واختلفوا في مدة عمره ، فقال الزهري : خمسة وسبعون ، وقيل : ثمان وسبعون ، وقال المدائني : ثلاث وسبعون ، وقيل : ثمانون ، وقيل : خمس وثمانون .

407 - النعمان بن بشير بن سعد بن ثعلبة بن جلاس :

أمه عمرة بنت رواحة أخت عبد الله بن رواحة ، وهو أول من ولد من الأنصار بالمدينة بعد الهجرة ، وحنكه رسول الله صلى الله عليه وسلم بتمرة ، فتلمظ بها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " [انظروا ] إلى الأنصار وحبها للتمر " .

[ ص: 334 ] توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والنعمان بن بشير ابن ثماني سنين . وروى [عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ] ، وكان ممن نصر عثمان ، وقدم بقميصه الذي قتل فيه على معاوية ، وبعثه معاوية على الكوفة أميرا ، فأقام بها واليا عليها سبعة أشهر ، ثم آل الأمر إلى أن دعا لابن الزبير فقتله أهل حمص في هذه السنة .

أنبأنا محمد بن أبي طاهر البزار قال : أخبرنا أبو الحسين محمد بن أحمد الأبنوسي قال : أخبرنا أبو الحسن الدارقطني قال : أخبرنا الحسين بن إسماعيل القاضي قال : حدثنا عبد الله بن الحسين بن الربيع قال : حدثني الهيثم بن عدي قال :

لما عزل النعمان بن بشير عن الكوفة ولاه معاوية حمص ، فوفد عليه أعشى همدان ، فقال له : ما أقدمك أبا المصبح قال : جئت لتصلني ، وتحفظ قرابتي ، وتقضي ديني . فأطرق النعمان ، ثم رفع رأسه ثم قال : والله ما [عندي ] شيء . ثم قال : هيه ، كأنه ذكر شيئا ، فقام فصعد المنبر ثم قال : يا أهل حمص - وهم في الديوان عشرون ألفا - هذا ابن عم لكم من أهل القرآن والشرف ، قدم عليكم يسترفدكم ، فما ترون فيه ؟ فقالوا : أصلح الله الأمير ، احكم له . فأبى عليهم . قالوا : فإنا قد حكمنا له على أنفسنا من كل رجل في العطاء بدينار من دينارين تعجلها له من بيت المال أربعون ألف دينار . فقبضها وأنشأ يقول :


فلم أر للحاجات عند انكماشها     كنعمان نعمان الندى ابن بشير
إذا قال أوفى بالمقال ولم يكن     كمدل إلى الأقوام حبل غرور
متى أنجد النعمان لا أك شاكرا     ولا خير من لا يقتدي بشكور



[ ص: 335 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية