صفحة جزء
وفي هذه السنة تحركت الشيعة بالكوفة

واستعدوا للاجتماع بالنخيلة بالمسير إلى أهل الشام للطلب بدم الحسين عليه السلام ، وتكاتبوا في ذلك .

[ ص: 29 ]

ومنذ قتل الحسين عليه السلام كانوا يتلاومون بينهم ، ويندمون على ترك نصرته ، فرأوا أنهم قد جنوا جناية لا يكفرها إلا الطلب [بدمه] .

فاجتمع من ملئهم جماعة في بيت سليمان بن صرد ، وتعاهدوا وجاءوا بأموال يجهزون بها من يعينهم ، وكاتبوا شيعتهم وضربوا أجلا ومكانا ، فجعلوا الأجل غرة شهر ربيع الآخر من سنة خمس وستين ، والموطن النخيلة ، وابتدءوا في أمورهم في سنة إحدى وستين وهي السنة التي قتل فيها الحسين عليه السلام ، وما زالوا في الاستعداد ودعاء الناس في السر حتى مات يزيد ، فخرجت حينئذ منهم دعاة يدعون الناس ، فاستجاب لهم خلق كثير .

وكان عبيد الله بن زياد قد حبس المختار بن أبي عبيد لعلمه بميله إلى شيعة علي ، فكتب ابن عمر إلى يزيد: أن ابن زياد قد حبس المختار وهو صهري ، فإن رأيت أن تكتب إلى ابن زياد يخليه ، فكتب إليه يأمره بتخليته فدعاه وقال: قد أجلتك ثلاثا فإن أدركتك بالكوفة بعدها برئت منك الذمة ، فخرج إلى الحجاز ، وكان يقول: والله لأقتلن بالحسين عدة من قتل على دم يحيى بن زكريا ، فقدم على ابن الزبير فرحب به ، فقال له: ما تنتظر ، ابسط يدك نبايعك ، ثم مضى إلى الطائف ، ثم عاد بعد سنة فبايع ابن الزبير وقاتل معه وأقام عنده حتى هلك يزيد ، ثم وثب فركب راحلته نحو الكوفة ، فقدمها في النصف من رمضان يوم الجمعة بعد ستة أشهر من هلاك يزيد .

ورأى المختار اجتماع رءوس الشيعة على سلمان بن صرد ، فقال لهم: إني قد جئتكم من قبل المهدي محمد ابن الحنفية ، فانشعبت إليه طائفة من الشيعة .

وكان المختار يقول لهم: إنما يريد سليمان أن يخرج فيقتل نفسه ويقتلكم ، فإنه ليس [له] بصر بالحروب .

وكان سليمان بن صرد وأصحابه يريدون الوثوب بالكوفة وأميرها يومئذ عبد الله بن يزيد الأنصاري من قبل ابن الزبير ، فبلغه ذلك فقال: وما الذي يريدون؟ قيل: إنهم يطلبون بدم الحسين ، قال: وأنا قتلت الحسين ، لعن الله قاتل الحسين .

ثم خطب [ ص: 30 ] فقال: قد بلغني أن طائفة من أهل هذا المصر يريدون الخروج علينا يطلبون فيما زعموا بدم الحسين ، فرحم الله هؤلاء القوم ، والله ما قتلته ، ولقد أصبت بمقتله . فإن هؤلاء القوم آمنون فليخرجوا ولينتشروا ظاهرين ، ثم نسير إلى قاتل الحسين ، وأنا لهم على قاتله ظهير ، هذا ابن زياد قاتل الحسين وقاتل خياركم قد توجه إليكم ، والاستعداد له أولى من أن تجعلوا بأسكم بينكم .

فخرج سليمان بن صرد [وأصحابه] ينشرون السلاح ظاهرين ، ويشترون ويتجهزون لجهادهم بما يصلحهم ، وجعل المختار ينتظر ما يصير إليه أمر سليمان بن صرد .

فخرج سليمان نحو الجزيرة ، فجاء قوم إلى عبد الله بن يزيد أمير البلدة فحذروه المختار ، وأخذوا المختار فحبسوه وقيدوه فجعل يقول: أما ورب البحار ، والنخل والأشجار ، والمهامه والقفار ، والملائكة الأبرار ، والمصطفين الأخيار ، لأقتلن كل جبار ، بكل لدن خطار ، ومهند بتار في جموع من الأنصار ، ليسوا بميل أغمار ، ولا بعزل أشرار ، حتى إذا أقمت عمود الدين ، ورأيت شعب صدع المؤمنين ، وشفيت غليل صدور المسلمين ، وأدركت بثأر النبيين .

التالي السابق


الخدمات العلمية