صفحة جزء
ذكر قصة ثمود

وكانوا قد عتوا وكفروا بالله وأفسدوا في الأرض ، وكانوا قد مدت أعمارهم ، وكانوا يسكنون الحجر إلى وادي القرى من الحجاز والشام ، فكان أحدهم يبني المساكن من المدر فتنهدم والرجل منهم حي ، فلما رأوا ذلك اتخذوا من الجبال بيوتا فنحتوها وجابوها وجوفوها .

فبعث الله تعالى إليهم بعد هلاك قوم عاد صالح بن عبيد بن جاذر بن جابر بن ثمود ، ويقال: ابن جاثر بالثاء ، فدعاهم إلى التوحيد فلم يزدهم دعاؤه إلا طغيانا ، [ ص: 256 ] فقالوا: ائتنا بآية فقال اخرجوا إلى هضبة من الأرض ، فخرجوا فإذ هي تمخض تمخض الحامل ، ثم انفرجت فخرجت من وسطها ناقة فقال . هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله . وكانت تشرب ماءهم يوما ويشربون يوما ، ويحتلبونها في يوم شربها عوض ما شربت . وكان صالح لا يبيت عندهم بل في مسجد له ، فهموا بقتله فكمنوا له تحت صخرة يرصدونه فرضختهم الصخرة فأصبح الناس يقولون قتلهم صالح ، فاجتمعوا على عقر الناقة ، فذهبوا إليها وهي على حوضها قائمة ، فضرب أحدهم - واسمه قدار بن سالم - عرقوبها فوقعت تركض ، فجاء الخبر إلى صالح ، فأقبل فأخذوا يعتذرون إليه ويقولون: إنما عقرها فلان .

فقال: انظروا هل تدركون فصيلها فإن أدركتموه فعسى يرفع عنكم العذاب ، فخرجوا وقد صعد إلى رأس الجبل ، فلم يقدروا عليه فرغا ثلاثا ، فقال صالح : لكل رغوة أجل يوم تمتعوا في داركم ثلاثة أيام . ألا إن آية العذاب أن اليوم الأول تصبح وجوهكم مصفرة ، [واليوم الثاني محمرة واليوم] الثالث مسودة ، فأصبحوا كأنما طليت وجوههم بالخلوق ، صغيرهم وكبيرهم ، ذكرهم وأنثاهم . فلما أمسوا صاحوا بأجمعهم: ألا قد مضى يوم من الأجل وحضركم العذاب . فلما أصبحوا إذا وجوههم محمرة كأنما خضبت بالدماء ، فضجوا وبكوا وعرفوا آية العذاب فلما أمسوا صاحوا: ألا قد مضى يومان ، فلما أصبحوا اليوم الثالث إذا وجوههم مسودة كأنما طليت بالقار ، فتحنطوا بالصبر وتكفنوا بالأنطاع ، ثم ألقوا نفوسهم بالأرض لا يدرون من أين يأتيهم العذاب ، فلما أصبحوا في اليوم الرابع أتتهم صيحة من السماء فيها صوت كل صاعقة ، فتقطعت قلوبهم في صدورهم وهلكوا .

وكان منهم رجل بالحرم يقال له "أبو رغال" ، منعه الحرم من العذاب .

وذكر أن صالحا أقام في قومه عشرين سنة ، وتوفي بمكة وهو ابن ثمان وخمسين سنة . وقيل: بل عاش مائتي سنة وسبعين ، ثم بعث الله تعالى بعده إبراهيم الخليل .

أخبرنا محمد بن عبد الله الأنصاري ، أخبرنا المبارك بن عبد الجبار ، أخبرنا [ ص: 257 ] محمد بن علي بن الفتح ، أخبرنا علي بن الحسين بن سكينة ، حدثنا محمد بن أبي القاسم بن مهدي ، حدثنا علي بن أحمد بن أبي قيس حدثنا عبد الله بن محمد القرشي حدثنا علي بن الجعد ، حدثنا معاوية ، عن الأعمش ، عن سالم بن أبي الجعد ، قال:

كان رجل في قوم صالح قد أذاهم ، فقالوا: يا نبي الله ادع الله عليه ، فقال: اذهبوا فقد كفيتموه . وكان يخرج كل يوم فيحتطب ، فخرج يومئذ ومعه رغيفان فأكل أحدهما وتصدق بالآخرة فاحتطب ثم جاء بحطبه سالما ، فجاءوا إلى صالح فقالوا: لقد جاء بحطبه سالما لم يصبه شيء . فدعاه صالح فقال: أي شيء صنعت اليوم؟ قال: خرجت ومعي قرصتان فتصدقت بإحداهما وأكلت الأخرى ، فقال له صالح : حل حطبك ، فحله فإذا فيه أسود مثل الجذع عاض على جزل من الحطب ، فقال له صالح : فهذا دفع عنك . يعني بصدقتك عن الرغيف .

التالي السابق


الخدمات العلمية