صفحة جزء
439 - عدي بن حاتم الطائي ، وأمه النوار بنت برمكة بن عكل ، ويكنى أبا طريف:

أخبرنا أبو بكر محمد بن أبي طاهر البزاز ، قال: أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي ، قال: أخبرنا أبو عمر محمد بن العباس ، قال: أخبرنا أحمد بن معروف ، قال: أخبرنا الحسين بن الفهم ، قال: حدثنا محمد بن سعد ، قال: أخبرنا محمد بن عمر ، قال: حدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة ، عن أبي عمير الطائي ، قال: كان عدي بن حاتم يقول: ما كان رجل من العرب أشد كراهية لرسول الله صلى الله عليه وسلم مني ، وكنت امرأ شريفا قد سدت قومي ، فقلت: إن اتبعته كنت دنيا . وكنت نصرانيا ، فقلت لغلام لي: أعد لي من إبلي أجمالا ذللا سمانا أحبسها قريبا مني ، فإذا سمعت بجيش محمد قد وطئ هذه البلاد فآذني؛ فإني أرى خيله قد وطئت بلاد العرب كلها . فلما كان ذات غداة جاءني غلامي فقال: ما كنت صانعا إذا غشيتك خيل محمد فاصنعه ، فإني قد رأيت رايات فسألت عنها فقيل: هذه جيوش محمد . قلت: قرب لي أجمالي ، فقربها فاحتملت بأهلي وولدي ، ثم قلت: ألحق بأهل ديني من النصارى بالشام ، وخلفت ابنة حاتم بالحاضر .

[ ص: 76 ]

وتخالفتني خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فشنوا الغارة على محلة آل حاتم ، فأصابوا نساء وأطفالا وشاء وابنة حاتم ، فقدم بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقد بلغ النبي صلى الله عليه وسلم هربي ، فجعلت ابنة حاتم في حظيرة بباب المسجد -كانت النساء يحبسن فيها- فمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقامت إليه ، وكانت امرأة جميلة جزلة ، فقالت: يا رسول الله ، مات الولد وغاب الوافد ، فامنن علي من الله عليك ، قال: فإني فعلت ، فلا تعجلي بخروج حتى تجدي من قومك من يكون لك ثقة .

وفي رواية أخرى: فقالت: يا رسول الله ، هلك الوالد وغاب الوافد فامنن علي من الله عليك ، قال: ومن وافدك؟ قالت: عدي بن حاتم ، قال: الفار من الله ورسوله ، قالت: ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركني حتى إذا كان من الغد مر بي فقلت مثل ذلك ، وقال مثل ذلك ، حتى إذا كان بعد الغد مر بي وقد يئست ، فلم أقل شيئا ، فأشار إلي رجل خلفه أن قومي فكلميه ، فقمت فقلت: يا رسول الله ، هلك الوالد وغاب الوافد فامنن علي من الله عليك ، قال: فإني قد فعلت ، فلا تعجلي بخروج حتى تجدي من قومك من يكون لك ثقة حتى يبلغك إلى بلادك ، ثم آذنيني .

قالت: فسألت عن الرجل الذي أشار إلي أن أكلمه ، فقيل: هو علي بن أبي طالب ، فأقمت حتى قدم ركب من قضاعة . قالت: وإنما أريد أن آتي أخي بالشام ، فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: قد جاء من قومي من لي ثقة وبلاغ ، فكساني رسول الله صلى الله عليه وسلم وحملني وأعطاني نفقة ، وخرجت معهم حتى قدمت الشام . قال عدي: فوالله إني لقاعد في أهلي إذ نظرت إلى ظعينة تصوب إلي تؤمنا .

قلت: ابنة حاتم ، فإذا هي هي ، فلما قدمت علي انسحلت تقول: القاطع الظالم ، احتملت أهلك وولدك . وتركت بقية والدك ، قلت: يا أخية لا تقولي إلا خيرا ، فقلت: [ ص: 77 ] والله ما لي من عذر قد صنعت ما ذكرت ، ثم نزلت فأقامت عندي ، فقلت: ما ترين في أمر هذا الرجل ، وكانت حازمة -وكانت امرأة حازمة- فقالت: أرى والله أن تلحق به سريعا ، فإن يكن الرجل نبيا فالسبق إليه أفضل ، وإن يكن ملكا فلن تذل في عز اليمن ، وأنت أنت ، وأبوك أبوك ، مع أني قد نبئت أن علية أصحابه قومك الأوس والخزرج .

فخرجت حتى أقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدخلت وهو في مسجده ، فسلمت [عليه] ، فقال: من الرجل؟ فقلت: عدي بن حاتم ، فانطلق بي إلى بيته ، فوالله إنه لعامد بي إلى بيته إذ لقيته امرأة ضعيفة كبيرة فاستوقفته فوقف لها طويلا تكلمه في حاجتها ، فقلت في نفسي: والله ما هذا بملك ، إن للملك حالا غير هذا . ثم مضى حتى إذا دخل بيته تناول وسادة من أدم محشوة ليفا ، فقدمها إلي ، فقال: "اجلس على هذه" فقلت: لا ، بل أنت . فجلس عليها فرأى في عنقي وثنا من ذهب ، فتلا هذه الآية: اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله [9: 31] فقلت: والله ما كانوا يعبدونهم ، فقال: "أليس كانوا إذا أحلوا لهم شيئا استحلوه وإذا حرموا عليهم شيئا حرموه" قلت: بلى ، قال: "فتلك عبادتهم" . وقال: "إيه يا عدي ، ألم تكن تسير في قومك بالمرباع في مال فإن ذلك لم يكن يحل لك في دينك" ، قلت: أجل والله . فعرفت أنه نبي مرسل . ثم قال: لعلك يا عدي إنما يمنعك من الدخول في هذا الدين ما ترى من حاجتهم ، فوالله ليوشكن [هذا] المال [أن] يفيض فيهم حتى لا يوجد من يأخذه ، ولعلك إنما يمنعك ما ترى من كثرة عدوهم وقلة عددهم ، فوالله ليوشكن أن تسمع بالمرأة تخرج من القادسية على بعير حتى تزور هذا البيت ، لا تخاف ، ولعلك إنما يمنعك من الدخول أن الملك والسلطان في غيرهم ، وايم الله ليوشكن أن تسمع بالقصور البيض من أرض بابل قد فتحت عليهم" . قال عدي: فأسلمت . وكان عدي يقول: قد مضت اثنتان وبقيت واحدة: ليفيض المال .

[ ص: 78 ]

قال علماء السير: لما قدم عدي على رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلم وحسن إسلامه ، ورجع إلى بلاد قومه ، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتدت العرب ثبت عدي وقومه على الإسلام ، وجاء بصدقاتهم إلى أبي بكر ، وحضر فتح المدائن ، وشهد مع علي الجمل وصفين والنهروان . وكان جوادا يفت للنمل الخبز ، ويقول: إنهن جارات .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد ، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت ، قال: حدثنا محمد بن الحسين بن محمد المقرئ ، قال: أخبرنا أحمد بن عثمان بن يحيى الآدمي ، قال: حدثنا علي بن محمد بن عبد الملك ، قال: حدثنا سهل بن بكار ، قال: حدثنا أبو عوانة ، عن مغيرة ، عن الشعبي ، عن عدي بن حاتم الطائي: أنه أتى عمر بن الخطاب في أناس من طيئ -أو قال: من قومه- فجعل يفرض لرجال من طيئ في ألفين ألفين ، فاستقبلته فأعرض عني ، فقلت: يا أمير المؤمنين ، أما تعرفني؟ قال: نعم إني والله أعرفك ، أسلمت إذ كفروا ، وأقبلت إذ أدبروا ، ووفيت إذ غدروا ، وإن أول صدقة بيضت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجوه أصحابه صدقة طيئ ، جئت بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .

أنبأنا عبد الوهاب الحافظ ، قال: أخبرنا أبو الحسين بن عبد الجبار ، قال: حدثنا الحسين بن علي الطناجيري ، قال: حدثنا ابن شاهين ، قال: حدثنا عبد الله بن ثابت ، قال: حدثنا أبو سعيد الأشج ، قال: حدثنا الهذيل بن عمير ، عن يحيى بن زكريا ، عن مجالد ، عن عامر ، قال: أرسل الأشعث بن قيس إلى عدي بن حاتم يستعير منه قدور حاتم ، فأمر بها عدي فملئت وحملها الرجال إلى الأشعث ، فأرسل الأشعث: إنما أردناها فارغة ، فأرسل إليه: إنا لا نعيرها فارغة .

أخبرنا القزاز ، قال أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت ، قال: أخبرنا ابن بشران ، قال: [ ص: 79 ] أخبرنا ابن صفوان ، [قال: أخبرنا] ابن أبي الدنيا ، قال: حدثنا محمد بن سعد ، قال: مات عدي بن حاتم سنة ثمان وستين .

وقد قال هشام بن الكلبي: مات سنة تسع وستين ، وهو ابن مائة وعشرين سنة .

واختلفوا أين مات على قولين: أحدهما بالكوفة . قاله ابن خياط . والثاني بقرقيسياء .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد ، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت ، قال: أخبرنا علي بن أحمد الرزاز ، قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي ، قال: أخبرنا محمد بن أحمد البزاز ، قال: حدثنا علي بن المديني ، قال: حدثنا جرير بن عبد الحميد ، عن المغيرة ، قال: خرج عدي بن حاتم وجرير بن عبد الله وحنظلة الكاتب من الكوفة ، فنزلوا قرقيسيا وقالوا: لا نقيم ببلد يشتم فيه عثمان .

قال ابن ثابت: قال لي محمد بن علي الصوري: أنا رأيت قبورهم بقرقيسياء .

التالي السابق


الخدمات العلمية