صفحة جزء
ومن الأحداث هجرة الخليل عليه السلام

وذلك أن إبراهيم ومن معه من أصحابه المؤمنين أجمعوا على فراق قومهم ، فخرج إبراهيم مهاجرا إلى ربه عز وجل ، وخرج معه لوط مهاجرا ، وسارة زوجته . وقد ذكرنا أنه تزوجها في طريق هجرته بحران ، وخرج بها من حران حتى قدم مصر ، وبها فرعون من الفراعنة الأول . وكانت سارة أحسن الناس ، فلما وصف لفرعون حسنها بعث يطلبها .

أخبرنا هبة الله بن الحصين ، أخبرنا الحسن بن علي التميمي ، أخبرنا أحمد بن جعفر ، حدثنا عبد الله بن أحمد ، قال: حدثني أبي ، حدثنا علي بن حفص ، عن ورقاء ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دخل إبراهيم قرية فيها ملك من الملوك -أو جبار من الجبابرة- فقيل: دخل إبراهيم الليلة بامرأة من أحسن الناس . قال: فأرسل إليه: من هذه معك؟ قال: أختي ، قال: أرسل بها ، قال: فأرسل بها إليه ، وقال: لا تكذبي قولي؛ فإني قد أخبرت أنك أختي ، أن ليس على الأرض مؤمن غيري وغيرك ، قال: فلما دخلت إليه قام إليها . قال: فأقبلت تصلي وتقول: اللهم إن كنت تعلم أني آمنت بك وبرسولك ، وأحصنت فرجي إلا على زوجي فلا تسلط علي الكافر . قال: فغط حتى ركض برجله .

[ ص: 264 ] قال أبو الزناد: قال أبو سلمة ، عن أبي هريرة: أنها قالت: اللهم إن يمت قيل: هي قتلته . قال: فأرسل ، ثم قام إليها فقامت تصلي وتقول: اللهم إن كنت تعلم أني آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجي إلا على زوجي فلا تسلط علي هذا الكافر . قال: فغط حتى ركض برجله .

قال أبو الزناد: قال أبو سلمة ، عن أبي هريرة: قالت: اللهم إن يمت قيل: هي قتلته ، فأرسل . قال: فقال في الثالثة أو الرابعة: ما أرسلتم إلا شيطانا ، أرجعوها إلى إبراهيم وأعطوها هاجر . قال: فرجعت إلى إبراهيم فقالت لإبراهيم: أشعرت أن الله عز وجل رد كيد الكافر وأخدم وليدة .

قال ابن إسحاق: وكانت هاجر جارية ذات هيئة فوهبتها سارة لإبراهيم ، وقالت: إني أراها [امرأة] وضيئة فخذها لعل الله أن يرزقك منها ولدا ، وكانت سارة قد منعت الولد ، فوقع عليها فولدت له إسماعيل .

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا فتحتم مصر فاستوصوا بأهلها؛ فإن لهم ذمة ورحما" . قال الزهري: الرحم أن أم إسماعيل كانت منهم .

ثم إن إبراهيم خرج من مصر إلى الشام فنزل السبع من أرض فلسطين ، ونزل لوط بالمؤتفكة ، وهي من السبع على مسيرة يوم وليلة أو أقرب ، فبعثه الله نبيا ، وأقام إبراهيم بذلك المقام فاحتفر به بئرا فكانت غنمه تردها ، واتخذ به مسجدا ، ثم إن أهلها آذوه فخرج حتى نزل بناحية فلسطين ، فنضب ماء تلك البئر التي احتفرها ، فندم أهل ذلك المكان على ما صنعوا ، وقالوا: أخرجنا من بين أظهرنا رجلا صالحا ، ولحقوه فسألوه أن يرجع ، قال: ما أنا براجع إلى بلد أخرجت منه ، قالوا: فإن الماء الذي كنت تشرب منه ونحن معك قد نضب ، فأعطاهم سبع أعنز من غنمه ، وقال: أوردوها الماء تظهر ولا تغرفن منها حائض . [فخرجوا بالأعنز ، فلما وقفت على البئر] ظهر إليها الماء .

وكان الله تعالى قد أوسع على إبراهيم وبسط له في الرزق والخدم ، وكان يضيف [ ص: 265 ] كل من نزل به ، وهو أول من أضاف الضيف ، وأول من ثرد الثريد ، وأول من رأى الشيب .

وروى عيسى بن يونس ، عن . . . . ، عن سعد بن إبراهيم ، عن أبيه ، قال: أول من خطب على المنابر إبراهيم عليه السلام .

ومن الحوادث

أن سارة لما وهبت هاجر لإبراهيم ليتسرى بها ولدت إسماعيل ، وهو أكبر ولد إبراهيم ، فغارت سارة فأخرجتها وحلفت لتقطعن منها بضعة فخفضتها ، ثم قالت: لا تساكني في بلد . فأوحى الله تعالى إلى إبراهيم أن يأتي مكة ، فذهب بها وبابنها إلى مكة .

وزعم السدي عن أشياخه: أن سارة حملت بعد هاجر ، وأنهما ولدتا ، وكبر الولدان فاقتتلا . وليس هذا بصحيح؛ لأن إسماعيل إنما خرج وهو مرضع .

التالي السابق


الخدمات العلمية