صفحة جزء
454 - عبد الله بن عمر بن الخطاب ، أبو عبد الرحمن:

أسلم بمكة مع أبيه وهو صغير قبل أن يبلغ ، وهاجر مع أبيه ، وشهد غزوة الخندق وما بعدها ، وحضر يوم القادسية ويوم جلولاء وما بينهما من وقائع الفرس .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن عبد الله رجل صالح" وقال جابر بن عبد الله: ما أدركنا أحدا إلا وقد مالت به الدنيا إلا ابن عمر .

وقالت عائشة: ما رأيت أحدا ألزم للأمر الأول من ابن عمر .

[ ص: 134 ]

وقال سعيد بن المسيب: لو شهدت لأحد أنه من أهل الجنة لشهدت لعبد الله بن عمر .

وقال طاوس: ما رأيت رجلا أورع من ابن عمر ، وكان يقول في سجوده: قد تعلم أنه ما يمنعني من مزاحمة قريش على هذه الدنيا إلا خوفك .

أخبرنا محمد بن أبي منصور ، قال: أخبرنا حمد بن أحمد ، قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله ، قال: حدثنا سليمان بن أحمد ، قال: حدثنا أحمد بن زيد بن الحريش ، قال: حدثنا أبو حاتم ، قال: حدثنا الأصمعي ، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن أبيه ، قال: اجتمع في الحجر أربعة: مصعب ، وعروة ، وعبد الله بنو الزبير ، وعبد الله بن عمر ، فقالوا: تمنوا ، فقال عبد الله بن الزبير: أما أنا فأتمنى الخلافة ، وقال عروة: أما أنا فأتمنى أن يؤخذ عني العلم . وقال مصعب: أما أنا فأتمنى إمرة العراق والجمع بين عائشة بنت طلحة وسكينة بنت الحسين . وقال عبد الله بن عمر: وأما أنا فأتمنى المغفرة . قال: فنالوا ما تمنوا ، ولعل ابن عمر قد غفر له .

أخبرنا عبد الله بن علي المقرئ ، ومحمد بن ناصر ، قالا: أخبرنا طراد بن محمد ، قال: أخبرنا أبو الحسين بن بشران ، قال: أخبرنا أبو علي بن صفوان ، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي الدنيا ، قال: حدثني أحمد بن عبد الأعلى الشيباني ، قال: حدثنا إسماعيل بن أبان العامري ، قال: حدثنا سفيان الثوري ، عن طارق بن عبد العزيز ، عن الشعبي ، قال: لقد رأيت عجبا ، كنا بفناء الكعبة أنا وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن الزبير ومصعب بن الزبير وعبد الملك بن مروان ، فقال القوم بعدما فرغوا من حديثهم: ليقم رجل منكم فليأخذ بالركن اليماني وليسأل الله حاجته ، فإنه يعطى سؤله ، قم [ ص: 135 ] يا عبد الله بن الزبير فإنك أول مولود في الهجرة ، فقام فأخذ بالركن اليماني ، ثم قال: اللهم إنك عظيم ترجى لكل عظيم أسألك بحرمة وجهك وحرمة عرشك [وحرمة بيتك] وحرمة نبيك عليه السلام ألا تميتني من الدنيا حتى توليني الحجاز ، ويسلم علي بالخلافة . وجاء حتى جلس .

فقالوا: قم يا مصعب ، فقام فأخذ بالركن اليماني ، فقال: اللهم إنك رب كل شيء وإليك يصير كل شيء ، أسألك بقدرتك على كل شيء ألا تميتني من الدنيا حتى توليني العراق وتزوجني سكينة بنت الحسين ، وجاء حتى جلس .

فقالوا: قم يا عبد الملك ، فقام فأخذ بالركن اليماني ، فقال: اللهم رب السموات السبع ورب الأرض ذات النبت بعد القفر ، أسألك ما سألك عبادك المطيعين لأمرك ، وأسألك بحرمة وجهك ، وأسألك بحقك على جميع خلقك ، وبحق الطائفين حول بيتك ألا تميتني من الدنيا حتى توليني شرق الأرض وغربها ، ولا ينازعني أحد إلا أتيت برأسه ، ثم جاء حتى جلس .

ثم قالوا: قم يا عبد الله بن عمر ، فقام حتى أخذ بالركن اليماني ثم قال: اللهم إنك رحمان رحيم ، أسألك برحمتك التي سبقت غضبك ، وأسألك بقدرتك على جميع خلقك ألا تميتني من الدنيا حتى توجب لي الجنة .

قال الشعبي: فما ذهبت عيناي من الدنيا حتى رأيت كل رجل منهم قد أعطي ما سأل ، وبشر عبد الله بن عمر بالجنة ، ورئيت له .

أخبرنا ابن حبيب العامري ، قال: أخبرنا علي بن الفضل ، قال: أخبرنا ابن عبد الصمد ، قال: أخبرنا ابن حيويه ، قال: أخبرنا إبراهيم بن خريم ، قال: أخبرنا عبد الحميد ، قال: أخبرنا يزيد بن هارون ، قال: أخبرنا محمد بن عمرو ، عن أبي عمرو بن حماس ، عن حمزة بن عبد الله بن عمر ، عن عبد الله بن عمر ، قال: خطرت هذه الآية: لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون [3: 92] فذكرت ما أعطاني فما وجدت شيئا أحب إلي من جاريتي رميثة ، فقلت: هي حرة لوجه الله ، فلولا أني لا أعود في شيء جعلته لله نكحتها ، فأنكحها نافعا ، فهي أم ولده .

[ ص: 136 ]

أخبرنا ابن ناصر ، قال: أخبرنا حمد بن أحمد ، قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله الأصفهاني ، قال: حدثنا إبراهيم بن عبد الله ، قال: حدثنا محمد بن إسحاق ، قال: حدثنا قتيبة بن سعيد ، قال: حدثنا محمد بن يزيد بن خنيس ، قال: حدثنا عبد العزيز بن أبي رواد ، عن نافع ، قال: كان ابن عمر إذا اشتد عجبه بشيء من ماله قربه إلى الله عز وجل ، قال نافع: كان رقيقه قد عرفوا ذلك منه ، فربما شمر أحدهم فيلزم المسجد ، فإذا رآه على تلك الحالة الحسنة أعتقه ، فيقول له أصحابه: يا أبا عبد الرحمن ، والله ما بهم إلا أن يخدعوك ، فيقول ابن عمر: من خدعنا بالله انخدعنا له .

قال نافع: ولقد رأيتنا ذات عشية وراح ابن عمر على نجيب له قد أخذه بمال ، فلما أعجبه مسيره أناخه مكانه ثم نزل عنه ، فقال: يا نافع ، انزعوا زمامه ورحله وحللوه وأشعروه وأدخلوه في البدن .

قال نافع: ما مات ابن عمر حتى أعتق ألف إنسان ، وما زاد . وكان يحيي الليل صلاة ، فإذا جاء السحر استغفر إلى الصباح ، وكان يحيي ما بين الظهر إلى العصر . وكان البر لا يعرف في عمر ولا ابن عمر حتى يقولا أو يعملا .

قال محمد بن سعد: أخبرنا الواقدي ، قال: حدثنا عبد الله بن نافع ، عن أبيه ، قال: كان زج رمح رجل من أصحاب الحجاج قد أصاب رجل ابن عمر ، فاندمل الجرح ، فلما صدر الناس انتقض على ابن عمر فدخل الحجاج يعوده ، فقال: من أصابك؟ قال: أنت قتلتني ، قال: وفيم؟ قال: حملت السلاح في حرم الله فأصابني بعض أصحابك ، فلما حضرته الوفاة أوصى ألا يدفن في الحرم ، فغلب فدفن في الحرم وصلى عليه الحجاج .

أخبرنا القزاز ، قال: أخبرنا الخطيب ، قال: أخبرنا [محمد بن أحمد] بن [ ص: 137 ] رزق ، قال: أخبرنا عثمان بن أحمد ، قال: حدثنا حنبل بن إسحاق ، قال: حدثني أبو عبد الله ، قال: مات عبد الله بن عمر سنة ثلاث وسبعين .

وكذلك قال أبو نعيم الفضل بن دكين وابن بكير .

وقيل: إنه مات في سنة أربع وسبعين .

وعن سعيد بن عفير قال: في سنة أربع [وسبعين] مات عبد الله بن عمر بمكة ، فدفن بذي طوى في مقبرة المهاجرين ، وقيل: إنه دفن بفج وهو ابن أربع وثمانين .

قال مؤلف الكتاب رحمه الله: وفي مقدار عمره قول آخر:

أخبرنا عبد الرحمن [بن محمد] القزاز ، [قال: أخبرنا الخطيب ] بإسناده عن مالك ، قال: بلغ عبد الله بن عمر من السن تسعا وثمانين سنة .

التالي السابق


الخدمات العلمية