صفحة جزء
455 - عبد الله بن الزبير بن العوام ، أبو بكر:

أمه أسماء بنت أبي بكر الصديق ، وهو أول مولود ولد في الإسلام للمهاجرين بعد الهجرة .

ولد بقباء على رأس عشرين شهرا من الهجرة ، وحنكه رسول الله صلى الله عليه وسلم بتمرة ، وأذن أبو بكر في أذنه . ولم يزل مقيما بالمدينة إلى أن توفي معاوية ، فبعث يزيد إلى الوليد بن عتبة يأمره بالبيعة ، فخرج ابن الزبير إلى مكة ، وجعل يحرض الناس على بني أمية ، [ ص: 138 ] فوجد عليه يزيد إلا أنه مشى ابن الزبير إلى يحيى بن الحكم والي مكة ، فبايعه ليزيد ، فقال يزيد: لا أقبل حتى يؤتى به في وثاق ، فأبى ابن الزبير ، وقال: اللهم إني عائذ ببيتك ، وجرت حروب ، وحوصر ابن الزبير ، ثم مات يزيد ، فدعا إلى نفسه ، وسمي أمير المؤمنين ، وولى العمال ، واستوثقت له البلاد ما خلا طائفة من الشام فإنهم بايعوا مروان .

أخبرنا محمد بن أبي طاهر البزاز ، قال: أخبرنا علي بن المحسن التنوخي ، عن أبيه: أن عبد الله بن الزبير رأى في منامه كأنه صارع عبد الملك بن مروان ، فصرع عبد الملك ، وسمره في الأرض بأربعة أوتاد ، فأرسل راكبا إلى البصرة وأمره أن يلقى ابن سيرين ويقص الرؤيا عليه ولا يذكر له من أنفذه ، ولا يسمي عبد الملك ، فسار الراكب حتى أناخ بباب ابن سيرين وقص عليه المنام ، فقال ابن سيرين: من رأى هذا؟ قال: أنا رأيته في رجل بينه وبيني عداوة ، قال: ليس هذه رؤياك ، هذه رؤيا ابن الزبير أو عبد الملك أحدهما في الآخر ، فسأله الجواب ، فقال: ما أفسرها أو تصدقني فلم يصدقه ، فامتنع من التفسير ، فانصرف الراكب إلى ابن الزبير فأخبره بما جرى ، فقال: ارجع واصدقه أني رأيتها في عبد الملك ، فرجع الراكب إلى ابن سيرين برسالة ابن الزبير ، فصدقه ، فقال له: قل له: يا أمير المؤمنين ، عبد الملك يغلبك على الأرض ، ويلي هذا الأمر من ولده لظهره أربعة بعدد الأوتاد التي سمرتها في الأرض .

فلما مات مروان ولي عبد الملك ، وأقبل فقتل مصعب بن الزبير ، وبعث الحجاج إلى عبد الله فحصره وجرى له ما تقدم ذكره .

قال علماء السير: قتل ابن الزبير يوم الثلاثاء سابع عشر جمادى الأول ، وصلبه الحجاج على الثنية التي بالحجون ، ثم أنزله فرماه في مقابر اليهود ، وكتب إلى عبد الملك يخبره ، فكتب إليه يلومه ، ويقول: ألا خليت أمه تواريه ، فأذن لها فوارته .

أخبرنا أبو بكر بن عبد الباقي ، قال: أخبرنا أبو محمد الجوهري ، قال: أخبرنا ابن حيويه ، قال: أخبرنا أحمد بن معروف ، قال: حدثنا الحسين بن الفهم ، قال: حدثنا محمد بن سعد ، قال: أخبرنا يزيد بن هارون ، وعفان بن مسلم ، وأبو عامر العقدي ، قالوا: حدثنا الأسود بن سفيان ، قال: حدثنا نوفل بن أبي عقرب: [ ص: 139 ] أن الحجاج لما قتل ابن الزبير صلبه على عقبة المدينة ، فمر به ابن عمر ، فوقف فقال: السلم عليك أبا خبيب ، أما والله لقد نهيتك عن عدو الله ، أما والله ما علمت أنك [كنت] صواما قواما ، ثم استنزله الحجاج فرمى به في مقابر اليهود ، ثم بعث إلى أمه وقد ذهب بصرها أن تأتيه ، فأبت ، فأرسل إليها: لتأتيني أو لأبعثن إليك من يسحبك بقرونك حتى يأتيني بك ، فأرسلت إليه: إني والله لا آتيك حتى تبعث إلي من يسحبني بقروني ، فأتاه رسوله فأخبره ، فقال: يا غلام ، ناولني سبتي ، فناوله نعليه فانتعل ثم خرج يتوذف حتى أتاها ، فدخل عليها فقال: كيف رأيتني صنعت بعدو الله؟ قالت: رأيتك أفسدت عليه دنياه وأفسد عليك آخرتك ، وقد بلغني أنك تعيره فتقول: يا ابن ذات النطاقين ، وقد كنت والله ذات النطاقين: أما أحدهما فنطاق المرأة التي لا تستغني عنه ، وأما النطاق الآخر فإني كنت أرفع فيه طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم وطعام أبي من النمل وغيره ، فأي ذلك ويل أمك عيرته به ، أما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنه سيخرج من ثقيف رجلان: كذاب ، ومبير" . فأما الكذاب فقد رأيناه ابن أبي عبيد ، وأما المبير فأنت ذلك ، فوثب فانصرف عنها ولم يراجعها .

أنبأنا عبد الوهاب الحافظ ، قال: أخبرنا أحمد بن الحسين الباقلاوي ، قال: حدثنا أبو علي بن شاذان ، قال: حدثنا دعلج ، قال: حدثنا محمد بن علي بن زيد ، قال: حدثنا سعيد بن منصور ، قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، قال: حدثنا أيوب ، عن ابن أبي مليكة ، قال: دخلت علي أسماء بنت أبي بكر بعد قتل عبد الله بن الزبير ، فقالت: بلغني أنهم علقوا عبد الله منكسا ، وعلقوا معه هرة ، والله لوددت أني لا أموت حتى يدفع إلي فأغسله وأكفنه وأحنطه ثم أدفنه ، فما لبثت حتى جاء كتاب عبد الملك أن يدفع إلى أهله ، فأتيت به أسماء فغسلته وكفنته وحنطته ثم دفنته .

[ ص: 140 ]

وعن أيوب فأحسبه قال: فما عاشت بعد ذلك إلا ثلاثة أيام حتى ماتت .

قال إبراهيم الحربي: قتل الحجاج ابن الزبير وقطعه قطعا ، فغسلته أسماء أمه -وكانت مكفوفة- فكانت تغسله قطعة قطعة ، ويوضع في الأكفان .

أخبرنا ابن ناصر ، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد بن يوسف ، قال: أخبرنا إبراهيم بن عمر البرمكي ، قال: حدثنا أبو يعقوب إسحاق بن سعد بن الحسين بن سفيان الثوري ، قال: أخبرنا حرملة بن يحيى ، قال: أخبرنا ابن المذهب ، قال: حدثنا سفيان عن منصور بن عبد الرحمن الجمحي ، عن أمه ، قالت: دخل عبد الله بن عمر المسجد وابن الزبير قد قتل وصلب ، فقيل له: هذه أسماء بنت أبي بكر في المسجد فمال إليها وقال: اصبري فإن هذه الجثث ليست بشيء وإنما الأرواح عند الله ، فقالت: وما يمنعني من الصبر وقد أهدي رأس يحيى بن زكريا إلى بغي من بغايا بني إسرائيل؟!

أخبرنا عبد الحق ، قال: أخبرنا عبد الرحمن بن أحمد بن يوسف ، قال: أخبرنا أبو بكر بن بشران ، قال: حدثنا الدارقطني ، قال: حدثنا البغوي ، قال: حدثنا محمد بن حميد ، قال: حدثنا علي بن مجاهد ، قال: حدثنا رياح النوبي أبو محمد مولى آل الزبير ، قال: سمعت أسماء بنت أبي بكر تقول للحجاج: إن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم فدفع دمه إلى ابني فشربه ، فأتاه جبريل فأخبره فقال: ما صنعت؟ قال: كرهت أن أصب دمك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تمسك النار" ومسح على رأسه ، وقال: "ويل للناس منك وويل لك من الناس" .

أخبرنا علي بن عبد الله الزغواني ، قال: أخبرنا عبد الصمد بن علي بن المأمون ، قال: أخبرنا عبيد الله بن محمد بن [حبابة ، قال: أخبرنا يحيى بن [ ص: 141 ] أحمد بن] صاعد ، قال: أخبرنا عبد الجبار بن العلاء ، قال: أخبرنا سفيان بن عيينة ، قال: حدثنا هشام بن عروة ، قال: أوصى إلى الزبير من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة ، فكان ينفق من ماله ، ويحبس عليهم أموالهم ، منهم عثمان ، والمقداد ، وعبد الرحمن بن عوف . قال: وأوصى إلى عبد الله بن الزبير عائشة وحكيم بن حزام ، وقال: اعتد بمكرمتين لم يعتد بهما أحد من الناس ، وأوصت له عائشة بحجرتها واشترى حجرة سودة ، فصارت له حجرتان من حجر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعني: عبد الله بن الزبير .

[ ص: 142 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية