صفحة جزء
[وصفه وما ورد في فضله رضي الله عنه

وكان من الموصوفين بالدهاء، والحلم، وقد ورد في فضله أحاديث قلما تثبت.

أخرج الترمذي وحسنه عن عبد الرحمن بن أبي عميرة الصحابي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لمعاوية: «اللهم؛ اجعله هاديا مهديا».

[ ص: 324 ] وأخرج أحمد في «مسنده» عن العرباض بن سارية: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهم؛ علم معاوية الكتاب والحساب، وقه العذاب».

وأخرج ابن أبي شيبة في «المصنف»، والطبراني في «الكبير» عن عبد الملك بن عمير قال: قال معاوية: ما زلت أطمع في الخلافة منذ قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا معاوية؛ إذا ملكت... فأحسن».

وكان معاوية رجلا طويلا أبيض، جميلا مهيبا.

وكان عمر ينظر إليه فيقول: (هذا كسرى العرب).

وعن علي قال: (لا تكرهوا إمرة معاوية؛ فإنكم لو فقدتموه.. لرأيتم الرءوس تندر عن كواهلها).

وقال المقبري: (تعجبون من دهاء هرقل وكسرى وتدعون معاوية؟!).

وكان يضرب بحلمه المثل، وقد أفرد ابن أبي الدنيا وأبو بكر بن أبي عاصم تصنيفا في حلم معاوية.

قال ابن عون: (كان الرجل يقول لمعاوية: والله؛ لتستقيمن بنا يا معاوية، أو لنقومنك، فيقول: بماذا؟ فيقولون بالخشب، فيقول: إذن نستقيم).

وقال قبيصة بن جابر: (صحبت معاوية، فما رأيت رجلا أثقل حلما، ولا أبطأ جهلا، ولا أبعد أناة منه).

ولما بعث أبو بكر الجيوش إلى الشام .. سار معاوية مع أخيه يزيد بن [ ص: 325 ] أبي سفيان، فلما مات يزيد .. استخلفه على دمشق، فأقره عمر، ثم أقره عثمان وجمع له الشام كله، فأقام أميرا عشرين سنة، وخليفة عشرين سنة.

قال كعب الأحبار: (لن يملك أحد هذه الأمة ما ملك معاوية).

قال الذهبي: (توفي كعب قبل أن يستخلف معاوية، قال: وصدق كعب فيما نقله؛ فإن معاوية بقي خليفة عشرين سنة لا ينازعه أحد الأمر في الأرض، بخلاف غيره ممن بعده؛ فإنه كان لهم مخالف، وخرج عن أمرهم بعض الممالك).

خرج معاوية على علي كما تقدم، وتسمى بالخلافة، ثم خرج على الحسن، فنزل له الحسن عن الخلافة، فاستقر فيها من ربيع الآخر أو جمادى الأولى، سنة إحدى وأربعين، فسمى هذا العام: عام الجماعة؛ لاجتماع الأمة فيه على خليفة واحد.

وفيه: ولى معاوية مروان بن الحكم المدينة.

وفي سنة ثلاث وأربعين: فتحت الرخج وغيرها من بلاد سجستان، وودان من برقة، وكورا من بلاد السودان.

وفيها: استلحق معاوية زياد ابن أبيه، وهي أول قضية غير فيها حكم النبي صلى الله عليه وسلم في الإسلام. ذكره الثعالبي وغيره.

[ ص: 326 ] وفي سنة خمس وأربعين: فتحت القيقان.

وفي سنة خمسين: فتحت قهستان عنوة.

وفيها: دعا معاوية أهل الشام إلى البيعة بولاية العهد من بعده لابنه يزيد فبايعوه، وهو أول من عهد بالخلافة لابنه، وأول من عهد بها في صحته.

ثم إنه كتب إلى مروان بالمدينة أن يأخذ البيعة له، فخطب مروان فقال: (إن أمير المؤمنين رأى أن يستخلف عليكم ولده يزيد سنة أبي بكر وعمر).

فقام عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق فقال: (بل سنة كسرى وقيصر، إن أبا بكر وعمر لم يجعلاها في أولادهما، ولا في أحد من أهل بيتهما).

التالي السابق


الخدمات العلمية