صفحة جزء
[خلع ابن طولون للموفق من ولاية العهد ]

ثم أدخل المعتمد واسط ، ولما بلغ ابن طولون ذلك . . . جمع القضاة والأعيان ، وقال : (قد نكث الموفق بأمير المؤمنين ، فاخلعوه من العهد ) ، فخلعوه إلا القاضي بكار بن قتيبة فإنه قال : (أنت أوردت علي كتابا من المعتمد كتابا بولايته العهد ، فأورد علي كتابا آخر منه بخلعه .

فقال : إنه محجور عليه ومقهور ، فقال : لا أدري .

فقال ابن طولون : غرك الناس بقولهم : ما في الدنيا مثل بكار ؟ ! أنت شيخ قد خرفت ) ، وحبسه وقيده ، وأخذ منه جميع عطائه من سنين ، فكان عشرة آلاف دينار ، فقيل : (إنها وجدت في بيت بكار بختمها ، وبلغ الموفق ذلك ، فأمر بلعنة ابن طولون على المنابر ) .

[ ص: 568 ] ثم في شعبان من سنة سبعين : أعيد المعتمد إلى سامراء ، ودخل بغداد ، ومحمد بن طاهر بين يديه بالحربة والجيش في خدمته ، كأنه لم يحجر عليه .

ومات ابن طولون في هذه السنة ، فولى الموفق ابنه أبا العباس أعماله ، وجهزه إلى مصر في جنود العراق ، وكان خمارويه بن أحمد بن طولون أقام على ولايات أبيه بعده ، فوقع بينه وبين أبي العباس بن الموفق وقعة عظيمة ، بحيث جرت الأرض من الدماء ، وكان النصر للمصريين .

وفي هذه السنة : انبثق ببغداد في نهر عيسى بثق ، فجاء الماء إلى الكرخ فهدم سبعة آلاف دار .

وفيها : نازلت الروم طرسوس في مائة ألف ، فكانت النصرة للمسلمين ، وغنموا ما لا يحصى ، وكان فتحا عظيما عديم المثل .

وفيها : ظهرت دعوة المهدي عبد الله بن عبيد جد بني عبيد خلفاء المصريين الروافض باليمن ، وأقام على ذلك إلى سنة ثمان وسبعين ، فحج تلك السنة واجتمع بقبيلة من كتامة ، فأعجبهم حاله ، فصحبهم إلى مصر ، ورأى منهم طاعة وقوة فصحبهم إلى المغرب ، فكان ذلك أول شأن المهدي .

وفي سنة إحدى وسبعين : قال الصولي : (ولي هارون بن إبراهيم الهاشمي الحسبة ، فأمر أهل بغداد أن يتعاملوا بالفلوس ، فتعاملوا بها على كره ثم تركوها ) .

[ ص: 569 ] وفي سنة ثمان وسبعين : غار نيل مصر فلم يبق منه شيء ، وغلت الأسعار .

وفيها : مات الموفق واستراح منه المعتمد .

وفيها : ظهرت القرامطة بالكوفة; وهم نوع من الملاحدة ، يدعون أنه لا غسل من الجنابة ، وأن الخمر حلال ، وأن الصوم في السنة يومان : يوم النيروز ويوم المهرجان ، ويزيدون في أذانهم : وأن محمد ابن الحنفية رسول الله ، وأن الحج والقبلة إلى بيت المقدس ، وأشياء أخر ، ونفق قولهم على الجهال وأهل البر ، وتعب الناس بهم .

وفي سنة تسع وسبعين : ضعف أمر المعتمد جدا; لتمكن أبي العباس بن الموفق من الأمور وطاعة الجيش له ، فجلس المعتمد مجلسا عاما أشهد فيه على نفسه أنه خلع ولده المفوض من ولاية العهد ، وبايع لأبي العباس ، ولقبه المعتضد .

وأمر المعتضد في هذه السنة : ألا يقعد في الطريق منجم ، ولا قصاص ، واستحلف الوراقين لا يبيعوا كتب الفلاسفة والجدل .

ومات المعتمد بعد أشهر من السنة فجأة; فقيل : إنه سم ، وقيل : بل نام فغم في بساط; وذلك ليلة الاثنين لإحدى عشرة بقيت من رجب ، وكانت خلافته ثلاثا وعشرين سنة ، إلا أنه كان مقهورا مع أخيه الموفق; لاستيلائه على الأمور ، ومات وهو كالمحجور عليه من بعض الوجوه من جهة المعتضد أيضا .

التالي السابق


الخدمات العلمية