صفحة جزء
[شدة الغلاء وأكل الناس الجيف]

وفي سنة ست وتسعين: توقف النيل بمصر ; بحيث كسر ولم يكمل ثلاثة عشر ذراعا، فكان الغلاء المفرط; بحيث أكلوا الجيف والآدميين، وفشا أكل بني آدم، واشتهر ورئي من ذلك العجب العجاب، وتعدوا إلى حفر القبور وأكل [ ص: 695 ] الموتى، وتمزق أهل مصر كل ممزق، وكثر الموت من الجوع; بحيث كان الماشي لا يقع قدمه أو بصره إلا على ميت، أو من هو في السياق، وهلك أهل القرى قاطبة; بحيث إن المسافر يمر بالقرية فلا يرى فيها نافخ نار، ويجد البيوت مفتحة وأهلها موتى.

وقد حكى الذهبي في ذلك حكايات يقشعر الجلد من سماعها، قال: (وصارت الطرق مزرعة بالموتى، ومأدبة بلحومهم للطير والسباع، وأبيعت الأحرار والأولاد بالدراهم اليسيرة، واستمر ذلك إلى أثناء سنة ثمان وتسعين).

وفي سنة سبع وتسعين: جاءت زلزلة كبرى بمصر والشام والجزيرة، فأخربت أماكن كثيرة وقلاعا، وخسفت قرية من أعمال بصرى.

وفي سنة تسع وتسعين في سلخ المحرم: ماجت النجوم، وتطايرت تطاير الجراد، ودام ذلك إلى الفجر، وانزعج الخلق وضجوا إلى الله تعالى، ولم يعهد ذلك إلا عند ظهور رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وفي سنة ستمائة: هجم الفرنج إلى النيل من رشيد، ودخلوا بلد فوة فنهبوها، واستباحوها ورجعوا.

[ ص: 696 ] وفي سنة إحدى وستمائة: تغلبت الفرنج على القسطنطينية، وأخرجوا الروم منها، وكانت بأيدي الروم من قبل الإسلام، واستمرت بيد الفرنج إلى سنة ستين وستمائة، فاستعادها منهم الروم .

وفيها -أي: سنة إحدى - ولدت امرأة بقطفتا ولدا برأسين ويدين وأربعة أرجل، ولم يعش.

وفي سنة ست وستمائة: كان ابتداء أمر التتار، وسيأتي شرح حالهم.

وفي سنة خمس عشرة: أخذت الفرنج من دمياط برج السلسلة.

قال أبو شامة: (وهذا البرج كان قفل الديار المصرية، وهو برج عال في وسط النيل، ودمياط بحذائه من شرقيه، والجيزة بحذائه من غربيه، وفي ناحيته سلسلتان; تمتد إحداهما على النيل إلى دمياط، والأخرى على النيل إلى الجيزة، يمنعان عبور المراكب من البحر المالح).

وفي سنة ست عشرة: أخذت الفرنج دمياط بعد حروب ومحاصرات، وضعف الملك الكامل عن مقاومتهم، فبدعوا فيها، وجعلوا الجامع كنيسة، فابتنى الملك الكامل مدينة عند مفرق البحرين وسماها المنصورة، وبنى عليها سورا ونزلها بجيشه.

وفي هذه السنة: كاتبه قاضي القضاة زكي الدين الطاهر، وكان الملك [ ص: 697 ] المعظم صاحب دمشق في نفسه منه، فأرسل له بقجة فيها قباء وكلوتة، وأمره بلبسها بين الناس في مجلس حكمه، فلم يمكنه الامتناع، ثم قام ودخل داره، ولزم بيته، ومات بعد أشهر قهرا، ورمى قطعا من كبده، وتأسف الناس لذلك، واتفق أن الملك المعظم أرسل في عقب ذلك إلى الشرف بن عنين حين تزهد خمرا ونردا، وقال: سبح بهذا، فكتب إليه:


يا أيها الملك المعظم سنة أحدثتها تبقى إلى الآباد     تجري الملوك على طريقك بعدها
خلع القضاة وتحفة الزهاد

وفي سنة ثمان عشرة: استردت دمياط من الفرنج، فلله الحمد.

وفي سنة إحدى وعشرين: بنيت دار الحديث الكاملية بالقاهرة بين القصرين، وجعل شيخها أبا الخطاب بن دحية.

وكانت الكعبة تكسى الديباج الأبيض من أيام المأمون إلى الآن، فكساها الناصر ديباجا أخضر، ثم كساها ديباجا أسود، فاستمر إلى الآن.

التالي السابق


الخدمات العلمية