الآداب الشرعية والمنح المرعية

ابن مفلح - محمد بن مفلح بن محمد المقدسي

صفحة جزء
[ ص: 285 ] فصل ( الإنكار على الرجل والمرأة في موقف الريبة كخلوة ونحوها ) .

فإن رأي رجلا مع امرأة فهل يسوغ الإنكار ؟ ينظر فإن كان ثم قرينة تتعلق بالواقف ، أو قرينة زمان ، أو مكان ، أو غير ذلك ساغ الإنكار ، وإلا فلا ، وعلى هذا كلام أحمد رضي الله عنه والقاضي قال محمد بن يحيى الكحال للإمام أحمد : الرجل السوء يرى مع المرأة قال : صح به .

وقال أيضا لأبي عبد الله : الغلام يركب خلف المرأة ، قال : ينهى ، ويقال له إلا أن يقول : إنها له محرم ترجم عليهما الخلال ( باب الرجل يرى المرأة مع الرجل السوء ويراها معه راكبة ) وذكر في هذا الباب أن أبا داود قال : سمعت أبا عبد الله ، وقيل له : امرأة أرادت أن تسقط عن الدابة يمسكها الرجل ؟ قال : نعم .

قال القاضي : فصل : ومن عرف بالفسق منع من الخلوة بامرأة أجنبية لما يحصل فيه من الريبة ، وقد قال النبي : صلى الله عليه وسلم { لا يخلون رجل وامرأة ، فإن الشيطان ثالثهما } ثم ذكر رواية محمد بن يحيى الثانية انتهى كلامه .

قال القاضي : في الأحكام السلطانية فيما يتعلق بالمحتسب ، وإذا رأى وقوف رجل مع امرأة في طريق سالك لم تظهر منهما أمارات الريب لم يتعرض عليهما بزجر ولا إنكار ، وإن كان الوقوف في طريق خال فخلوا بمكان ريبة فينكرها ، ولا يعجل في التأديب عليهما حذرا من أن تكون ذات محرم وليقل : إن كانت ذات محرم فصنها عن موقف الريب ، وإن كانت أجنبية فاحذر من خلوة تؤديك إلى معصية الله عز وجل ، وليكن زجره بحسب الأمارات ، وإذا رأى المحتسب من هذه الأمارات ما ينكرها تأنى وفحص وراعى شواهد الحال ، ولم يعجل بالإنكار قبل الاستخبار .

وتقدم كلام القاضي أنه ينكر على من خالف مذهبه ، وإن جاز أن يختلف اجتهاده كما ينكر على من أكل في رمضان ، أو طعام غيره ، وإن جاز أن يكون عذر ، وتقدم قوله [ ص: 286 ] وقول ابن عقيل : من لم يعلم أن الفعل الواقع من أخيه المسلم جائز في الشرع أم غير جائز فلا يحل له أن يأمر ولا ينهى فهذا يقتضي أنه لا إنكار إلا مع العلم ، والذي قبله يقتضي الإنكار بالظن إذا انبنى على أصل ، ومسألة النياحة كهذا ، والكلام المتقدم يقتضي الإنكار بأمارة ، وقرينة تفيد الظن ، فهذه أقوال والله أعلم .

وذكر في شرح مسلم أن في قصة موسى مع الخضر عليهما الصلاة والسلام الحكم بالظاهر حتى يتبين خلافه لإنكار موسى ، فأما مجرد الوهم والشك فلا يجوز الإقدام به على الإنكار ، والاقتحام به على الديار ، وقد صح عنه { أنه نهى المسافر عن قدومه على أهله ليلا } .

وفي صحيح مسلم وغيره يتخونهم أو يطلب عثراتهم ، والمعنيان صحيحان وهما من حديث جابر رضي الله عنه .

التالي السابق


الخدمات العلمية