الآداب الشرعية والمنح المرعية

ابن مفلح - محمد بن مفلح بن محمد المقدسي

صفحة جزء
وقد روى أبو داود من رواية أبي النعمان عن أبي وقاص عن زيد بن أرقم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { إذا وعد الرجل أخاه ومن نيته أن يفي فلم يف ولم يجئ للميعاد فلا إثم عليه } . وقال أبو حاتم الرازي : أبو وقاص مجهول . [ ص: 31 ] ورواه الترمذي وقال ليس إسناده بالقوي قال ولا يعرف أبو النعمان ولا أبو وقاص

فاعتبر في هذا الخبر أن تكون نيته أن يفي وهو وإن كان ضعيفا فهو يعضد بغيره من الأخبار والمعنى مع أن فيها كفاية ، وتعليق الخبر فيها بمشيئة الله مستحب ، ولا يجب للأخبار المشهورة فيتركه في الخبر والقسم ، وسبق كلام ابن جرير .

وقال القاضي أبو يعلى في مسألة الفرار من الزكاة لما قيل : له إن أصحاب الجنة عوقبوا على ترك الاستثناء في القسم فقال : لا ; لأنه مباح وعلى أن الوعيد عليهم لم يسلم من الكذب إن أتى به متصلا أو منفصلا وقد نسيه وإلا فلا .

هذا ظاهر الآية ، وذكره ابن الجوزي عن الجمهور فظاهر كلام أحمد السابق وحكايته قول ابن عباس أنه يسلم منه بالاستثناء مطلقا ولعل مراده كالقول الأول ، أما من حلف وحنث فالكفارة كالواجب وهي ماحية لحكم ما وقع .

ولهذا قال الأصحاب وغيرهم : اليمين على المباح الإقامة عليها وحلها مباح وإن اليمين لا تغير الشيء عن صفته ، ولم يذكروا إذا حنث سوى الكفارة وأنها زاجرة ماحية وهذا ظاهر الأدلة الشرعية وظاهر كلام أحمد السابق وحكايته لقول ابن عباس يدل على أنه يأتي بالاستثناء ليسلم من الكذب وأن الكفارة لا تزيله ولعل مراده الخبر لا القسم وسبق كلام ابن جرير .

وروى أبو داود في باب الكذب عن حفص بن عمر هو النمري عن شعبة ، وعن محمد بن الحسين هو ابن إشكاب ثنا علي بن حفص ثنا شعبة عن حبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم قال ابن حصين عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع } ولم يذكر حفص أبا هريرة إسناده جيد وحفص وابن إشكاب ثبتان . ورواه مسلم عن أبي هريرة مرفوعا { كفى بالمرء إثما } وذكره ولمسلم أيضا { بحسب المرء من الكذب أن يحدث بكل ما سمع } .

ففي هذين الخبرين أن من فعل ذلك وقع في الكذب المحرم فلا يفعل ليجتنب المحرم فيكون من فعل ذلك عمدا قد تعمد كذبا .

وقال في شرح صحيح مسلم معناه الزجر عن التحديث بكل ما سمع [ ص: 32 ] فإنه يسمع في العادة الصدق ، والكذب فإذا حدث بكل ما سمع فقد كذب لإخباره بما لم يكن ، وقد تقدم أن مذهب أهل السنة أن الكذب : الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو ولا يشترط فيه التعمد لكن التعمد شرط لكونه إثما انتهى كلامه . فلعل ظاهره لا يحرم لعدم تعمد الكذب ولم يذكر رواية أبي داود المذكورة قلت لأبي عبد الله يجيئونني بالطعام فإن قلت لا آكله ثم أكلت ؟ قال هذا كذب لا ينبغي أن يفعل .

وقال الأثرم : سمعت أبا عبد الله سئل عن الرجل يأتيه الأمي الذي لا يكتب فيقول اكتب كتابا فيملي عليه شيئا يعلم أنه كذب ليكتب له قال : لا فلا يكتب بالكذب .

التالي السابق


الخدمات العلمية