الآداب الشرعية والمنح المرعية

ابن مفلح - محمد بن مفلح بن محمد المقدسي

صفحة جزء
قد سبق الكلام في الوعد والصدق والكذب ونحو ذلك والأخبار في ذلك ، وقد أثنى الله عز وجل على إسماعيل عليه السلام فقال : { إنه كان صادق الوعد } .

وذلك ; لأنه عانى في الوفاء بالعهد ما لم يعانه غيره وعد رجلا فانتظره حولا ، روي عن ابن عباس ، وقيل انتظره اثني عشر يوما ، وقيل ثلاثة أيام قال ابن عبد البر : وقد روي { عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه انتظر رجلا وعده في موضع من طلوع الشمس إلى غروبها } . قال الشاعر :


لسانك أحلى من جنى النحل وعده وكفاك بالمعروف أضيق من قفل



وقال آخر :

لله درك من فتى     لو كنت تفعل ما تقول



وقال الآخر :

لا خير في كذب الجواد     وحبذا صدق البخيل



وقال آخر :

الخير أنفعه للناس أعجله     وليس ينفع خير فيه تطويل



[ ص: 39 ] وقال آخر :

كانت مواعيد عرقوب لها مثلا     وما مواعيدها إلا الأباطيل



وقال ابن الكلبي عن أبيه كان عرقوب رجلا من العماليق فآتاه أخ له يسأل شيئا فقال له عرقوب إذا أطلع نخلي . فلما أطلع أتاه فقال : إذا أبلح ، فلما أبلح أتاه فقال : إذا أزهى ، فلما أزهى أتاه فقال : إذا أرطب ، فلما أرطب أتاه فقال : إذا أتمر ، فلما أتمر جذه ولم يعطه شيئا فضرب به العرب المثل في خلف الوعد وقال غيره : كان عرقوب جبلا مكللا بالسحاب أبدا ولا يمطر شيئا قالت الحكماء من خاف الكذب أقل المواعيد ، وقالوا : أمران لا يسلمان من الكذب كثرة المواعيد ، وشدة الاعتذار .

وقال آخر :

إن الكريم إذا حباك بموعد     أعطاكه سلسا بغير مطال



وقال آخر :

قم لوجه الله بالحق وكن     صادق الوعد فمن يخلف يلم



وذكر ابن عبد البر قول عائشة رضي الله عنها قلت { يا رسول الله بم يعرف المؤمن ؟ قال وقاره ، ولين كلامه ، وصدق حديثه } وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه من كانت له عند الناس ثلاث وجبت له عليهم ثلاث من إذا حدثهم صدقهم ، وإذا ائتمنوه لم يخنهم ، وإذا وعدهم وفى لهم وجب له عليهم أن تحبه قلوبهم ، وتنطق بالثناء عليه ألسنتهم ، وتظهر له معونتهم .

وقال سعيد : كل الخصال يطبع عليها المؤمن إلا الخيانة والكذب قيل للقمان الحكيم ألست عبد بني فلان ؟ قال بلى قيل فما بلغ بك ما أرى قال : تقوى الله عز وجل ، وصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وترك ما لا يعنيني ، ثم قال : [ ص: 40 ]

ألا رب من تغتشه لك ناصح     ومؤتمن بالغيب غير أمين

وقال نافع مولى ابن عمر : طاف ابن عمر سبعا وصلى ركعتين فقال له رجل من قريش : ما أسرع ما طفت وصليت يا أبا عبد الرحمن ، .

فقال ابن عمر أنتم أكثر منا طوافا وصياما ، ونحن خير منكم بصدق الحديث . وأداء الأمانة وإنجاز الوعد . أنشد محمود الوراق :


اصدق حديثك إن في     الصدق الخلاص من الدنس
ودع الكذوب لشانه     خير من الكذب الخرس



وقال آخر :

ما أقبح الكذب المذموم صاحبه     وأحسن الصدق عند الله والناس

وقال منصور الفقيه :

الصدق أولى ما به     دان امرؤ فاجعله دينا
ودع النفاق فما رأيت     منافقا إلا مهينا



وقال الحسن البصري : لا تستقيم أمانة رجل حتى يستقيم لسانه ، ولا يستقيم لسانه حتى يستقيم قلبه .

وقال الفريابي كنت عند الأوزاعي إذ جاءه رجل فقال يا أبا عمرو ، هذا كتاب صديقك وهو يقرأ عليك السلام فقال متى قدمت ؟ قال : أمس ، قال ضيعت أمانتك لا أكثر الله في المسلمين أمثالك قال الشاعر :

إذا أنت حملت الأمانة خائنا     فإنك قد أسندتها شر مسند



وقال بعض الحكماء من عرف بالصدق جاز كذبه ، ومن عرف بالكذب لم يجز صدقه ، قالوا والصدق عز والكذب خضوع .

وقال كعب بن زهير :

ومن دعا الناس إلى ذمه     ذموه بالحق وبالباطل
مقالة السوء إلى أهلها     أسرع من منحدر السائل



[ ص: 41 ] وقال لقمان لابنه : يا بني احذر الكذب فإنه شهي كلحم العصفور من أكل منه شيئا لم يصبر عنه .

وقال الأصمعي : قيل لكذاب ما يحملك على الكذب ؟ فقال أما إنك لو تغرغرت ماءه ما نسيت حلاوته ، وقيل لكذاب هل صدقت قط قال أكره أن أقول لا فأصدق .

التالي السابق


الخدمات العلمية