الآداب الشرعية والمنح المرعية

ابن مفلح - محمد بن مفلح بن محمد المقدسي

صفحة جزء
وقال أحمد في رواية إسحاق بن إبراهيم في العبد يرسله مولاه في حاجة فتحضره الصلاة قال : إذا علم أنه إذا قضى حاجة مولاه أصاب مسجدا يصلي فيه قضى حاجة مولاه ، فإن علم أنه لا يجد مسجدا يصلي فيه صلى ثم قضى حاجة مولاه .

وقال في رواية صالح : إن وجد مسجدا يصلي فيه قضى حاجة مواليه وإن صلى فلا بأس .

وذكر ابن عقيل أنه كما يجب الإغضاء عن زلات الوالدين يجب الإغضاء عن زلات القرون الثلاثة الذين قال النبي صلى الله عليه وسلم { : خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم } وإذا شبهناهم بالوالدين يجب توقيرهم واحترامهم كما في الوالدين .

وما ذكره في المستوعب من أن طاعة الإمام فرض في غير معصية .

[ ص: 439 ] ذكره القاضي عياض والآخرون بالإجماع . ولعل مراد أصحاب هذا القول ما يرجع إلى السياسة والتدبير . وقطع بعض أصحابنا بأنه تجب طاعته في الطاعة ، وتحرم في المعصية . وتسن في المسنون ، وتكره في المكروه ، ولا نزاع أنه يجب على العبد طاعة سيده فلو قلنا ليست صلاة الجمعة غير واجبة عليه لم تلزمه وإن أذن له السيد أو أجبره عليها ; لأن ما لا يجب بالشرع لا يملك السيد إجباره عليه على وجه التعبد كالنوافل ، ذكره ابن عقيل .

وذكر ابن عقيل وأبو المعالي ابن المنجا أن الإمام لو نذر الاستسقاء من الجدب انعقد نذره وليس له أن يلزم غيره بالخروج معه ; لأن نذره انعقد في حق نفسه دونهم . وحكى ابن حزم عن علي رضي الله عنه أنه كان يأمر الشهود إذا شهدوا على السارق أن يلوا قطع يده ، ثم قال : وليس هذا بواجب بل طاعة الإمام أو الأمير في هذا واجبة ; لأنه أمر بمشروع وقال أبو زكريا النواوي في قول مروان لعبد الرحمن بن الحارث : عزمت عليك إلا ما ذهبت إلى أبي هريرة فرددت عليه ما يقول . يعني من أصبح جنبا فلا صوم له . قال : أي أمرتك أمرا جازما عزيمة مجتمعة ، وأمر ولاة الأمور تجب طاعته في غير معصية وقال في قول عمار لما حدث بتيمم الجنب وقال له عمر : اتق الله يا عمار . قال : إن شئت لم أحدث .

معنى قول عمر تثبت فلعلك نسيت أو اشتبه عليك ، ومعنى قول عمار إن رأيت المصلحة في إمساكي عن التحديث به راجحة مصلحة تحديثي أمسكت فإن طاعتك واجبة علي في غير المعصية .

وأصل تبليغ هذه السنة والعلم قد حصل . ويحتمل أنه أراد إن شئت لم أحدث به تحديثا شائعا . انتهى كلامه . وعن ابن عمر مرفوعا { السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة } . وعن علي رضي الله عنه مرفوعا { إنما الطاعة في المعروف } مختصر متفق عليهما ، وإن أخذ القول الأول على ظاهره توجه أن تخرج مسألته بما لو أمر بالصيام لأجل الاستسقاء هل يجب على قولين ، وقد قال الشيخ تقي الدين رحمه الله [ ص: 440 ] إذا وجب العشر على فلاح أو غيره وأمر ولي الأمر بصرفه إلى من يستحق الزكاة وجبت طاعته في ذلك ولم يكن لأحد أن يمتنع من ذلك . انتهى كلامه .

التالي السابق


الخدمات العلمية