الآداب الشرعية والمنح المرعية

ابن مفلح - محمد بن مفلح بن محمد المقدسي

صفحة جزء
[ ص: 102 ] فصل حكم اجتماع الناس للذكر والدعاء ورفع الصوت به ومتى يكون بدعة .

قال : مهنا : سألت أبا عبد الله عن الرجل يجلس إلى القوم فيدعو هذا ويدعو هذا ، ويقولون له : ادع أنت . فقال : لا أدري ما هذا وقال ابن منصور لأبي عبد الله : يكره أن يجتمع القوم يدعون ويرفعون أيديهم ؟ فقال : ما أكرهه للإخوان إذا لم يجتمعوا على عمد إلا أن يكثروا .

قال ابن منصور : قال إسحاق بن راهويه كما قال وإنما معنى إلا أن يكثروا إلا أن يتخذوها عادة حتى يكثروا .

وقال أبو العباس الفضل بن مهران سألت يحيى بن معين وأحمد بن حنبل قلت : إن عندنا قوما يجتمعون فيدعون ويقرءون القرآن ويذكرون الله تعالى فما ترى فيهم قال : فأما يحيى بن معين فقال : يقرأ في المصحف ويدعو بعد صلاة ويذكر الله في نفسه . قلت : فأخ لي يفعل هذا قال : انهه قلت : لا يقبل قال : عظه قلت : لا يقبل ، أهجره ؟ قال : نعم . ثم أتيت أحمد حكيت له نحو هذا الكلام فقال لي أحمد أيضا : يقرأ في المصحف ويذكر الله تعالى في نفسه .

ويطلب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت : فأنهاه ؟ قال : نعم قلت : فإن لم يقبل قال : بلى إن شاء الله تعالى فإن هذا محدث ، الاجتماع والذي تصف قلت : فإن لم يفعل أهجره ؟ فتبسم وسكت .

وعن معمر أن عمر بن عبد العزيز كان حسن الصوت بالقرآن [ ص: 103 ] قال : فخرج يوما وقرأ وجهر بصوته ، فاجتمع الناس له فقال له سعيد بن المسيب : فتنت الناس قال : فدخل . وسأله المروذي عن القوم يجتمعون فيقرأ قارئ ويدعون حتى يصبحوا ؟ قال : أرجو أن لا يكون به بأس .

وقال المروذي قال لي أبو عبد الله : كنت أصلي فرأيت إلى جنبي رجلا عليه كساء ، ومعه نفسان يدعوان فدنوت فدعوت معهم ، فلما قمت رأيت جماعة يدعون فأردت أن أعدل إليهم ولولا مخافة الشهرة لقعدت معهم .

وروى الخلال عنه أنه قال : وأي شيء أحسن من أن يجتمع الناس فيصلوا ويذكروا ما أنعم الله عليهم كما قالت الأنصار ، وقال في رواية عبد الله ثنا إسماعيل ثنا أيوب عن محمد بن سيرين قال : نبئت أن الأنصار قبل قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة قالوا : لو نظرنا يوما فاجتمعنا فيه ، فذكرنا هذا الأمر الذي أنعم الله به علينا ، وذكر الحديث وفيه أنهم اجتمعوا يوم الجمعة في بيت أسعد بن زرارة وذبحت لهم شاة وكفتهم .

قال الشيخ تقي الدين : فقيد أحمد الاجتماع على الدعاء إذا لم يتخذ عادة ، وعن ابن مسعود أنه لما اتخذ أصحابه مكانا يجتمعون فيه للذكر ، فخرج إليهم فقال : يا قوم لأنتم أهدى من أصحاب محمد أو لأنتم على شعبة ضلالة .

ومذهب الشافعي والجمهور أنه يستحب الاجتماع لتلاوة القرآن للخبر المشهور وقال مالك : يكره وتأوله بعض أصحابه وكان يحيى بن سعيد القطان إذا قرئ عليه القرآن يسقط إلى الأرض حتى يكاد يذهب عقله ، وكان عبد الرحمن بن مهدي يبكي وينكر سقوط يحيى ، قال يحيى قال أحمد في رواية المروذي : لو قدر أن يدفع هذا أحد لدفعه يحيى ، ويأتي في آداب القراءة قبل فصول الطلب وقال عبد الله : ما رأيت أبي يبكي قط إلا في حديث توبة كعب .

التالي السابق


الخدمات العلمية