الآداب الشرعية والمنح المرعية

ابن مفلح - محمد بن مفلح بن محمد المقدسي

صفحة جزء
[ ص: 106 ] فصل ( في إنصاف طلاب العلم ومن كان يحابي في التحديث ) .

قال مهنا : سمعت أبا عبد الله يقول : كان إسماعيل ابن علية يضع في الحديث ما لا يحل له في الشفاعات ، ونحن على الباب نتضور وقال في رواية الفضل بن زيادة : كان لا ينصفهم في الحديث يعني إسماعيل قلت : كيف كان لا ينصف ؟ قال كان يحدث بالشفاعات قلت : فإن كان رجل له إخوان يخصهم بالحديث لا ترى ذلك قال ما أحسن الإنصاف ؟ ما أرى يسلم أهل الحديث من هذا قلت : وإن كان رجل يقرئ رجلا مائتي آية ، ويقرئ آخر مائة آية ما تقول فيه ؟ فقال : ينبغي أن ينصف بين الناس وقلت له : إنه يأخذ على هذا مائتي آية لأنه يرجو أن يكون عاملا به ، ويأخذ على هذا أقل لأنه لا يبلغ هذا في العمل ، ما ترى فيه قال ما أحسن الإنصاف في كل شيء .

وقال في رواية المروذي عيسى كان منتصبا للناس وحفص كان يحدث بالشفاعة .

وروى الخلال : أخبرني العباس بن محمد الدوري ثنا أبو سليمان الأشقر قال : كنا عند حماد بن زيد بالبصرة فجعل يقبل على أهل البصرة ويحدثهم فقلنا : تقبل على هؤلاء وتدعنا قال : أهل بلدي أحق بالحديث منكم ، وسمعت العباس بن محمد الدوري يقول : ربما كنا عند أحمد بن حنبل أيام الحج فيجيئه أقوام من الحجاج ، فيقبل عليهم ويحدثهم فربما قلنا له في ذلك فيقول : هؤلاء قوم غرباء وإلى أيام يخرجون .

وعن سفيان الثوري أنه جاء إلى يونس فأخذ يسأله ويملي عليه ومعه ألواح ، فلما قام قالوا : نسألك فلا تحدثنا وتحدث سفيان قال : سفيان غريب وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : لن تزالوا بخير ما دام العالم يعدل بينكم بعلمه لا يحيف . وعن أبي العالية في قوله تعالى { ولا تصعر خدك للناس } . [ ص: 107 ] قال : يكون الغني والفقير عندك في العلم سواء وقال ابن عون : كلموا محمدا في رجل يحدثه فقال : لو كان رجل من الزنج لكان عندي وعبد الله بن محمد في هذا سواء .

وقال جعفر بن محمد : من أنصف الناس من نفسه قضى به حكما لغيره .

وقال الشاعر :

إذا أنت لم تنصف أخاك وجدته على طرف الهجران إن كان يعقل

وقالوا ثلاثة من حقائق الإيمان : الاقتصاد في الإنفاق ، والابتداء بالسلام ، والإنصاف من نفسك وقال مالك بن دينار : وليس في الناس شيء أقل من الإنصاف وقال جعفر بن سعد : ما أقل الإنصاف وما أكثر الخلاف ، والخلاف موكل بكل شيء حتى القذاة في رأس الكوز ، فإذا أردت أن تشرب الماء حارت إلى فيك ، وإذا أردت أن تصب عن رأس الكوز لتخرج رجعت .

قال الشاعر :

آخ الكرام المنصفين وصلهم     واقطع مودة كل من لا ينصف

وقال أبو العتاهية :

إذا ما لم يكن لك حسن فهم     أسأت إجابة وأسأت سمعا

وعن أبي عوانة أنه حدث قوما ومنع آخرين ، وأسمع هشيم رجلا بشفاعة أحمد ، وعن أبي عاصم أنه كان إذا جاءه إنسان من قبل السلطان أو شفاعة حدثه مع أصحاب الحديث ، ولم يحدثه دونهم ، ولم يخصه .

التالي السابق


الخدمات العلمية