الآداب الشرعية والمنح المرعية

ابن مفلح - محمد بن مفلح بن محمد المقدسي

صفحة جزء
[ ص: 108 ] فصل جاء رجلان إلى أحمد فقال : لو جئتكم إلى المنزل وحدثتكم لكنتم أهلا لذلك وقال عروة : ائتوني فتلقوا مني ، وصح عنه أيضا أنه كان يألف الناس على حديثه وقال في رواية حبيش : جاء زهير إلى ابن أبي زائدة برجل فقال : حدثه قال : حتى أسأل عنه فقال له زهير : متى عهدت الناس يفعلون هذا ؟ فقال له زائدة : ومتى عهدت الناس يسبون أبا بكر وعمر وقال أيوب قال : سأل رجل سعيد بن جبير عن حديث فمنعه فقال له الرجل تؤجر ، فقال له : ليس كل الأجر نقوى عليه ، وكذا روي عن أحمد . وعن أحمد قال فيما روي عن أيوب قال : لا تحدثوا الناس بما لا يعلمون أو لا يعرفون فتضروهم ، وصح عن مسروق قال : لا تنشر بزك إلا عند من يبغيه ، رواه أحمد في رواية عبد الله وقال يعني الحديث وقال شعبة : أتاني الأعمش وأنا أحدث قوما فقال : ويحك تعلق اللؤلؤ في أعناق الخنازير ، وقال مهنا لأحمد ما معنى قوله ؟ فقال : معنى قوله لا ينبغي أن يحدث من لا يستأهل .

وقال عبد الله حدثني أبي قال : قال سفيان قال عيسى : عليه السلام للحكمة أهل فإن وضعتها في غير أهلها ضيعت ، وإن منعتها من أهلها ضيعت ، كن كالطبيب يضع الدواء حيث ينبغي وقال عبد الملك بن عمير : كان يقال : إضاعة الحديث أن يحدث به من ليس بأهل ، وعن دغفل قال : آفة العلم أن تخزنه ولا تحدث به ولا تنشره وقال إبراهيم النخعي : حدث حديثك من تشتهيه ومن لا تشتهيه فإنك تحفظه حتى كأنه أمامك تقرأه .

روى ذلك الخلال وقال عبد الرزاق عن معمر عن رجل هو عمرو بن عبد الله عن عكرمة قال : قال عيسى عليه السلام لا تطرح اللؤلؤ إلى الخنزير ، فإن [ ص: 109 ] الخنزير لا يصنع باللؤلؤ شيئا ، ولا تعط الحكمة من لا يريدها ، فإن الحكمة خير من اللؤلؤ ، ومن لا يريدها شر من الخنزير وقال مالك : ذلك ذل وإهانة للعلم أن يتكلم به عند من لا يطيعه .

وقال كثير بن مرة الحضرمي : لا تحدث بالحكمة عند السفهاء فيكذبوك ، ولا تحدث بالباطل عند الحكماء فيمقتوك ، ولا تمنع العلم أهله فتأثم ، ولا تحدث به غير أهله فتجهل ، إن عليك في علمك حقا كما أن عليك في مالك حقا .

ذكره البيهقي وغيره .

وروى الخلال في الأخلاق أن إبراهيم بن شماس قال كنا بعبادان فجرى تشاجر بين طلبة الحديث ، فلم يحدثهم يعني وكيع بن الجراح سبعة أيام فقال : إنما أردت أدبهم ، ثم حدثهم .

وفي الصحيحين قول ابن عباس لعمر رضي الله عنهما إن الموسم يجمع الرعاع والغوغاء فأمهل حتى تقدم المدينة ، فتخلص بأهل الفقه . فقدمنا المدينة وذلك أن عمر قبل مشورة ابن عباس ، فلم يتكلم بذلك حتى قدم المدينة ، قال ابن الجوزي : في هذا تنبيه على أن لا يودع العلم عند غير أهله ولا يحدث القليل الفهم ما لا يحتمله فهمه قال : والرعاع السفلة والغوغاء نحو ذلك ، وأصل الغوغاء صغار الجراد قال ابن عقيل قوله تعالى : { ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك } .

ذلك مع المعجز صلى الله عليه وسلم شهد الحق له لولا تخلقه للخلق الجميل لانفضوا عنك ، ولم يقنع بالمعجز في تحصيلهم ، لا تقنع أنت بالعلوم وتظن أنها كافية في حوش الناس إلى الدين ، بل حسن ذلك وجله بالأخلاق الجميلة .

التالي السابق


الخدمات العلمية