الآداب الشرعية والمنح المرعية

ابن مفلح - محمد بن مفلح بن محمد المقدسي

صفحة جزء
[ ص: 127 ] فصل قال ابن الجوزي : ومن علوم الحديث معرفة علله ، وذلك بجمع طرقه وقال أحمد بن حنبل : إذا لم يجمع طرق الحديث لم يفهم ، والحديث يفسر بعضه بعضا .

وقال عبد الرحمن بن مهدي : لأن أعرف علة الحديث هو عندي أحب إلي من أن أكتب عشرين حديثا ليست عندي ، انتهى كلامه .

وقال سفيان الثوري عن أبيه عن منذر أبي يعلى الثوري عن الربيع قال : إن من الحديث حديثا له ضوء كضوء النهار نعرفه ، وإن من الحديث حديثا له ظلمة كظلمة الليل ننكره ، وقال نعيم بن حماد قلت لعبد الرحمن بن مهدي : كيف تعرف صحيح الحديث من خطئه ؟ فقال : كما يعرف الطبيب المجنون .

وذكر البخاري عن ابن المديني عن ابن مهدي وسأله رجل عن ذلك فقال عبد الرحمن : أرأيت لو أتيت الناقد فأريته دراهمك ، فقال : هذا جيد وهذا مستوق ، وهذا مبهرج ، أكنت تسأله عن ذلك ، أو كنت تسلم الأمر له ؟ قال : بل كنت أسلم الأمر إليه قال : فهذا كذلك لطول المجالسة والمناظرة والخبرة .

وعن ابن مهدي قال : علمنا بصلة الحديث كهانة عند الجاهل وجاء رجل إلى أبي زرعة فقال : ما الحجة في تعليلكم الحديث ؟ فقال : الحجة في ذلك أن تسألني عن حديث له علة فأذكر علته ، ثم تقصد محمد بن مسلم بن وارة فتسأله عنه فيعلله ، ثم تقصد أبا حاتم الرازي فيعلله ، ثم تنظر فإن وجدت بيننا اختلافا في علته فاعلم أن كلا منا تكلم على مراده ، وإن وجدت الكلمة متفقة فاعلم حقيقة هذا العلم ، ففعل الرجل فاتفقت كلمتهم ، فقال : أشهد أن هذا العلم إلهام رواه الحاكم والبيهقي والخطيب وغيرهم .

وقال أبو زرعة الدمشقي : ثنا أحمد بن أبي الحواري ثنا الوليد بن مسلم سمعت الأوزاعي يقول : كنا نسمع الحديث فنعرضه على أصحابنا كما نعرض الدرهم المزيف ، فما عرفوا منه أخذنا وما أنكروا منه تركنا .

وقال الأعمش : [ ص: 128 ] كان إبراهيم صيرفي الحديث فكنت إذا سمعت الحديث من بعض أصحابنا أتيته فعرضته عليه .

وقال قبيصة بن عقبة : رأيت زائدة يعرض كتبه على سفيان الثوري ثم التفت إلى رجل في المجلس فقال : ما لك لا تعرض كتبك على الجهابذة كما نعرض ؟

وقال زائدة : كنا نأتي الأعمش فيحدثنا بكثير ، ثم نأتي سفيان الثوري فنذكر له تلك الأحاديث فيقول : ليس هذا من حديث الأعمش فنقول : صدق سفيان ليس هذا من حديث الأعمش فنقول هو حدثناه الساعة فيقول : اذهبوا فقولوا له إن شئتم فنأتي الأعمش فنخبره ، فيقول : صدق سفيان ليس هذا من حديثنا .

وقال ابن معين : لولا الجهابذة كثرت الستوق والزيوف في رواة الشريعة أما تحفظ قول شريح : إن للأثر جهابذة كجهابذة الورق .

وقال الربيع قال الشافعي : لا تستدل على أكثر الحديث وكذبه إلا بصدق المخبر وكذبه ، إلا في الخاص القليل من الحديث ، وذلك أن تستدل على الصدق والكذب فيه بأن يحدث المحدث ما لا يجوز أن يكون مثله ، أو يخالفه من هو أثبت وأكثر دلالات بالصدق منه .

قال البيهقي : ومن ذلك حديث يحيى بن آدم يعني ما يأتي في العمل بالحديث الضعيف في آداب الدعاء والقراءة ، قال : وإن كانت رواته ثقات . فهو مما لا يجوز أن يكون مثله لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يأمر بتصديق من أخبر عنه ما لم يقله ، وقد تفرد عنه يحيى بن آدم وهو ثقة ، ولكن اختلف عليه فيه وأرسله بعضهم وهو أشبه ، والخطأ في مراسيل المقبري متوهم .

ثم ذكر البيهقي أحاديث أخر معللة ، إلى أن ذكر الحديث المذكور في آخر الكتاب في كفارة المجلس والله أعلم . وسبق قبل هذا بنحو كراسة في طلب العلم حديث { يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله } .

التالي السابق


الخدمات العلمية