الآداب الشرعية والمنح المرعية

ابن مفلح - محمد بن مفلح بن محمد المقدسي

صفحة جزء
[ ص: 137 ] فصل ( في إصلاح اللحن العارض لمتن الحديث ومتى يجوز التحديث ومن يقدم ) .

قال إسحاق بن إبراهيم : سمعت ابن زنجويه يسأل أبا عبد الله : يجيء الحديث فيه اللحن وشيء فاحش ، فترى أن يغير أو يحدث به كما سمع قال : يغيره شديد ; إن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يكونوا يلحنون ، وإنما يجيء اللحن ممن هو دونهم .

وقال ابن الجوزي : وينبغي لصاحب الحديث أن يصلح اللحن في كتابه ، ذكر ذلك عن جماعة ، وكان أحمد يفعله قال : ويصلح الغلط الذي لا يشك فيه ، وذكره عن جماعة . والأولى لا يحدث حتى أن يتم له أربعون سنة ، إلا أن يحتاج إليه فقد حدث بندار وله ثلاث عشرة سنة ، وحدث البخاري وما في وجهه شعرة ، ويكره أن يحدث بحضرة من هو أسن منه أو أعلم ، فقد كان الشعبي إذا حضر مع إبراهيم لم يتكلم إبراهيم . وقال سفيان الثوري لسفيان بن عيينة ما لك لا تحدث ؟ فقال : أما وأنت حي فلا وقال سمرة بن جندب لقد كنت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم غلاما ، فكنت أحفظ عنه فما يمنعني من القول إلا أن ههنا رجالا هم أسن مني ، متفق عليه .

قال ابن هبيرة فيه أنه يتعين على الحدث أن يوقر الشيوخ ، وأنه إذا رئي عندهم لم يزاحمهم بالرواية له ، فإنه يعرض أن يعيش بعدهم فيروي في حالة عدمهم فيكون ذلك في موقعه ، وإن مات قبلهم لم تكن تغني روايته ، لما يعرفه الشيوخ طائلا ، والله أعلم ، وسبق هذا المعنى بنحو كراسين في فصل ، قال ابن عباس : إذا ترك العالم لا أدري .

وقد ظهر من ذلك أنه يرد على القارئ الغلط الخطأ كما عليه عادة العلماء ، وقد قال ابن طاهر المقدسي الحافظ : سمعت أبا إسحاق الحبال بمصر يقول : لم يكن في الدنيا مثل أبي القاسم سعد بن علي الزنجاني في الفضل ، وكان يحضر معنا المجالس ويقرأ الخطأ بين يديه ، فلا يرد على أحد شيئا ، ولو [ ص: 138 ] قرئ بين يديه الكفر ، إلا أن يسأل عن شيء أجاب ، وأري يوما بعض الصبيان يتبعون الأغلاط ويبادرون بالرد على المقرئ ولا يحسنون الأدب .

ومراد أبي إسحاق ، والله أعلم أن أبا القاسم لا يبادر بالرد ، ولعله يكتفي بغيره ، ولهذا قال ولو قرئ بين يديه الكفر ، ومعلوم أن مثل هذا لا يحل عدم بيانه والسكوت عنه ، قال ابن طاهر : سمعت الفقيه أبا محمد هياج بن عبيد إمام الحرم ومفتيه يقول : يوم لا أرى فيه سعد بن علي الزنجاني لا أعتد أني عملت خيرا .

قال ابن طاهر وكان هياج يعتمر كل يوم ثلاث عمر ، ويواصل الصوم ثلاثة أيام ، ويدرس عدة دروس ، ومع هذا كله كان يعتقد أن نظرة إلى الشيخ سعد والجلوس بين يديه أجل من سائر عمله ، قال ابن طاهر : سمعت أبا عبد الله محمد بن أحمد الكرخي يقول : لما عزم الشيخ سعد على الإقامة بالحرم والمجاورة به ، عزم على نفسه نيفا وعشرين عزيمة أنه يلزم نفسه من المجاهدات والعبادات ، ومات بعد ذلك بأربعين سنة ولم يخل منها عزيمة واحدة رحمه الله .

التالي السابق


الخدمات العلمية