الآداب الشرعية والمنح المرعية

ابن مفلح - محمد بن مفلح بن محمد المقدسي

صفحة جزء
[ ص: 142 ] فصل ( في جرح رواة الحديث لبيان الحقيقة ومعرفة الصحيح من غيره ) .

سأل رجل أبا عبد الله عن أبي البختري فقال : كان كذابا يضع الحديث فقال الرجل أنا ابن عمه قال أبو عبد الله : الله المستعان ولكن ليس في الدين محاباة .

وقال مهنا : سألت ابن معين عن الواقدي قال : أنت تعرفه وأحب أن تعفيني قلت لم قال : إن ابنه أخ لي قلت فدعه ، وسأل أحمد رجلا عن موت ابن المبارك فقال ما تصنع بهذا يا أبا عبد الله قال نعرف به الكذابين .

وقال يحيى بن سعيد سألت شعبة وسفيان بن سعيد وسفيان بن عيينة ومالك بن أنس عن الرجل يحدث بالحديث يخطئ فيه أو يكذب فيه فقالوا جميعا بين أمره قال أحمد في رواية مهنا هو كما قالوا ، فقلت له أما تخاف أن يكون هذا من الفاحشة قال لا هذا دين ونقل غيره عن أحمد أنه سأله عن معنى الغيبة فقال : إذا لم ترد عيب الرجل قلت قد جاء يقول فلان لم يسمع وفلان يخطئ قال لو ترك هذا لم يعرف الصحيح من غيره وقال شعبة وقيل له تمسك عن أبان بن أبي عياش ؟ فقال ما أرى يسعني السكوت عنه ، وقد سبق هذا المعنى في أول الكتاب ، وفي فصول الهجرة من الأمر بالمعروف .

وقيل ليحيى بن سعيد أما تخشى أن يكون هؤلاء الذين تركت حديثهم خصماءك عند الله قال : ذاك أحب إلي من أن يكون خصمي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لم حدثت عني حديثا ترى أنه كذب .

وقال بعض الصوفية لابن المبارك وقد تكلم في المعلى بن هلال : يا أبا عبد الرحمن تغتاب ؟ فقال له : اسكت إذا لم نبين كيف نعرف الحق من الباطل ؟ وقال الشافعي : ليس هذا من الغيبة ، وفي هذا المعنى أحاديث وآثار كثيرة .

وقال أبو الحارث : سمعت أبا عبد الله غير مرة يقول : ما تكلم أحد [ ص: 143 ] في الناس إلا سقط وذهب حديثه قد كان بالبصرة رجل يقال له الأفطس كان يروي عن الأعمش والناس ، وكانت له مجالس وكان صحيح الحديث ، إلا أنه كان لا يسلم على لسانه أحد فذهب حديثه وذكره .

وقال في رواية الأثرم وذكر الأفطس واسمه عبد الله بن سلمة قال : إنما سقط بلسانه فليس نسمع أحدا يذكره .

وتكلم يحيى بن معين في أبي بدر فدعا عليه قال أحمد : فأراه استجيب له ، والمراد بذلك والله أعلم عدم التثبت والغيبة بغير حق .

وقال أبو زرعة عبد الله بن سلمة الأفطس : كان عندي صدوقا لكنه كان يتكلم في عبد الواحد بن زياد ويحيى القطان ، وذكر له يونس بن أبي إسحاق فقال : لا ينتهي يونس حتى يقول سمعت البراء .

قال أبو زرعة فانظر كيف يرد أمره ، كل من لم يتكلم في هذا الشأن على الديانة فإنما يعطب نفسه ، وكان الثوري ومالك يتكلمون في الناس على الديانة فينفذ قولهم ، وكل من لم يتكلم فيهم على غير الديانة يرجع الأمر عليه .

قال أبو زرعة وذكر أبا قتادة الحراني فقال سمعت ابن نفيل يقول : قرأ يعني أبا قتادة كتاب مسعر فبلغ : وشك أبو نعيم ، فقال ما هذا ؟ فقال أبو زرعة : وذكر ابن نفيل يوما مات فلان سنة كذا لشيوخه فقيل له : متى مات أبو قتادة ؟ فقال : إنما نسأل عن تاريخ العلماء ، فظننت أنه سلط عليه ، وذلك أن ابن نفيل حدث فقيل لأبي قتادة حدث ابن نفيل ، فقال ابن أخت ذاك الصبي يعني سعيد بن جعفر : فجعلت أعجب من استخفافه هذا به ثم سلط عليه ترى انتهى كلامه ،

واعلم أن أبا قتادة واسمه عبد الله بن واقد ضعيف متروك عند الأئمة وكذبه بعضهم ، وقواه أحمد ، وكذا ابن معين في رواية ولا رواية له في الكتب الستة ، ومات سنة عشر ومائتين ، فمن هذه حاله لا يحل له أن يتكلم في الجرح والتعديل لا سيما بغير إنصاف فيمن عظمه الأئمة وأثنوا [ ص: 144 ] عليه واتفقوا عليه ، وهو أبو جعفر عبد الله بن محمد بن نفيل النفيلي الحراني وسعيد بن حفص ثقة ، وتوفيا سنة بضع وثلاثين ومائتين فلم يضرهما كلام أبي قتادة وانضر هو ، فنسأل الله العفو والستر .

وقال أبو زرعة : ذكرت لأبي جعفر النفيلي أن أحمد بن حنبل حدثنا عن أبي قتادة فاغتم وقال : قد كتبت إليه أن لا يحدث عنه وإنما كان أحمد حدثنا عنه في المذاكرة .

التالي السابق


الخدمات العلمية