الآداب الشرعية والمنح المرعية

ابن مفلح - محمد بن مفلح بن محمد المقدسي

صفحة جزء
[ ص: 159 ] فصل في الكتابة والكتب والكتاب وأدواتهم الكتابية . قال الخلال : التوقي أن لا يترب الكتاب إلا من المباحات ثم روي عن المروزي أن أبا عبد الله كان يجيء معه بشيء ، ولا يأخذ من تراب المسجد قال المروذي سمعت عبد الصمد بن مقاتل سمعت أبي يقول : رأيتهم يكتبون الكتاب في دور السبيل ، فإذا أرادوا أن يختموه أرسلوا إلى البحر فأخذوا الطين . وذكر بعض الشافعية في كتاب فاتحة العلم ما يدل على أن هذا لا يحرم .

وعن جابر مرفوعا { تربوا صحفكم أنجح لها فإن التراب مبارك } وعن زيد بن ثابت مرفوعا { ضع القلم على أذنك فإنه أذكر للمملي } رواهما الترمذي وضعفهما ، وروى ابن ماجه الأول .

قال ابن عبد البر : وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { تربوا الكتب وسحوها من أسفلها فإنه أنجح للحاجة } وذكر أيضا الخبر المشهور عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { نحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب } .

وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : { من أشراط الساعة أن يرفع العلم ، ويفيض المال ، ويكثر التجار ، ويظهر القلم } يعني الكتابة ، كذا ذكره ابن عبد البر والصحيح المشهور { يرفع العلم ويفيض المال } حسب . قال الحسن البصري : لقد أتى علينا زمان وإنما يقال : تاجر بني فلان وكاتب بني فلان ، ما يكون في الحي إلا التاجر الواحد والكاتب الواحد . وقال الحسن أيضا : لقد كان الرجل يأتي الحي العظيم فما يجد به كاتبا .

وفي الحديث المرفوع أيضا { فشو القلم وفشو التجارة من أشراط الساعة } يعني بقوله " فشو القلم " ظهور الكتابة وكثرة الكتاب .

وعن بعض المفسرين في قوله تعالى حاكيا عن يوسف عليه السلام [ ص: 160 ] { اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم } .

قال : كاتب حاسب . وقد كتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة منهم أبي بن كعب وزيد بن ثابت وعلي وعثمان وحنظلة الأسدي ومعاوية وعبد الله بن الأرقم ، وكان كاتبه المواظب على الرسائل والأجوبة ، وهو الذي كتب الوحي كله وأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتعلم كتاب السريانية ليجيب عنه من كتب إليه بها ، فتعلمها في ثمانية عشر يوما .

وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه لكاتبه عبيد الله بن أبي رافع : إذا كتبت فألق دواتك . وأطل سن قلمك ، وفرج السطور ، وقارب بين الحروف .

وقالت العرب : القلم أحد اللسانين ، وقالوا : الخط الحسن يزيد الحق وضوحا .

وقال المأمون : الخط لسان السيد وهو أفضل أجزاء اليد ، وأمر أبو جعفر المنصور بسجن طائفة من الكتاب عتب عليهم فكتب إليه بعضهم من طريق السجن :

أطال الله عمرك في صلاح وعز يا أمير المؤمنينا     بعفوك نستجير فإن تجرنا
فإنك رحمة للعالمينا     ونحن الكاتبون وقد أسأنا
فهبنا للكرام الكاتبينا



قال : فعفا عنهم وأمر بتخليتهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية