الآداب الشرعية والمنح المرعية

ابن مفلح - محمد بن مفلح بن محمد المقدسي

صفحة جزء
وأما المحبة له والتوكل عليه والإخلاص له فهذه كلها خير محض وهي محبوبة . ومن قال إن هذه المقامات تكون للعامة دون الخاصة فقد غلط إن أراد خروج الخاصة عنها فإن هذا لا يخرج منها مؤمن قط ، إنما يخرج عنها الكافر والمنافق ، وذكر كلاما كثيرا .

وقال ابن عقيل في الفنون : العقلاء يعلمون أن الاحتراز لا يقدح في التوكل وأن دقيق الحيل من الأعداء يدفع بلطيف التحرز والمبالغة في التحفظ ، وروى الخلال في الجامع في آخر الجنائز عن سعيد بن المسيب أن سلمان الفارسي وعبد الله بن سلام رضي الله عنهما قال أحدهما لصاحبه : إن لقيت ربك فأخبرني ما لقيت وإن لقيته قبلك أخبرتك ، فذكر سعيد أن أحدهما توفي فلقي صاحبه في المنام فقال له الميت توكل وأبشر فإني ما رأيت مثل التوكل .

وروي فيه أيضا في التجارة والتكسب : أخبرنا محمد بن أحمد بن منصور قال : سأل المازني بشر بن الحارث عن التوكل فقال المتوكل لا يتوكل على الله ليكفى ولو حلت هذه القصة في قلوب المتوكلة لضجوا إلى الله بالندم والتوبة ، ولكن التوكل يحل بقلبه الكفاية من الله فيصدق الله عز وجل فيما ضمن .

ولم يذكر الخلال ما يخالف كلام بشر لا من عنده ولا من عند غيره ، فبشر رحمه الله يقول من توكل ليكفى لم يخلص التوكل لله فيقدح فيه ويكون لغير الله ، ونظيره من اتقى الله ليجعل الله له مخرجا ، ومن اتقى الله ليجعل له فرقانا ، ومن تواضع ليرتفع .

ولهذا قال عليه السلام { وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله } ولهذا قال بعضهم لبعض من تواضع ليرتفع : لا يرتفع بالتواضع أي لا يقصد هذا وهو نظير الكلام المشهور من أخلص لله أربعين يوما نطق [ ص: 279 ] بالحكمة .

وفعل بعض الناس له لينطق بالحكمة وأنه لم ينطق بها ، وسأله بعض المشايخ عن هذا فقال له : لم تخلص إنما فعلت هذا لأجل هذا ، وهذا الكلام " من أخلص لله " يروى عن مكحول عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا وسبق في فصول التوبة ما يتعلق بهذا وهو مذكور في الفقه في باب ما يبطل الصلاة .

التالي السابق


الخدمات العلمية