الآداب الشرعية والمنح المرعية

ابن مفلح - محمد بن مفلح بن محمد المقدسي

صفحة جزء
[ ص: 4 ] وذكر الشيخ وجيه الدين من أصحابنا في شرح الهداية أنه يجوز البكاء على الميت إذا تجرد عن فعل محرم من ندب ونياحة وتسخط بقضاء الله وقدره المحتوم ، والجزع الذي يناقض الانقياد والاستسلام له .

وقال ابن الجوزي في آخر كلامه في قوله تعالى { يا أسفى على يوسف } .

قال وروي عن الحسن أن أخاه مات فجزع الحسن جزعا شديدا فعوتب في ذلك فقال : ما سمعت الله عاب على يعقوب عليه السلام الحزن حيث قال { يا أسفى على يوسف }

وذكر الشيخ تقي الدين في التحفة العراقية أن البكاء على الميت على وجه الرحمة مستحب وذلك لا ينافي الرضا بقضاء الله بخلاف البكاء عليه لفوات حظه منه ، وبهذا يعرف معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم لما بكى على الميت وقال { هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده } وإن هذا ليس كبكاء من يبكي لحظه لا لرحمة الميت ، وإن الفضيل لما مات ابنه ضحك وقال : رأيت أن الله قد قضى فأحببت أن أرضى بما قضى الله به حاله حال حسن بالنسبة إلى أهل الجزع ، فأما رحمة الميت والرضاء بالقضاء وحمد الله كحال النبي صلى الله عليه وسلم فهذا أكمل .

وقال في الفرقان : والصبر واجب باتفاق العقلاء ثم ذكر في الرضا قولين ثم قال : وأعلى من ذلك أن يشكر الله على المصيبة لما يرى من إنعام الله عليه بها ، ولا يلزم العاصي الرضا بلعنه ولا المعاقب الرضا بعقابه قال بعضهم : المؤمن يصبر على البلاء ولا يصبر على العافية إلا صديق .

وقال عبد الرحمن بن عوف : ابتلينا بالضراء فصبرنا وابتلينا بالسراء فلم نصبر .

وقال أبو الفرج بن الجوزي : الرجل كل الرجل من يصبر على العافية وهذا الصبر متصل بالشكر فلا يتم إلا بالقيام بحق الشكر ، وإنما كان الصبر على السراء شديدا لأنه مقرون بالقدرة ، والجائع عند غيبة الطعام أقدر منه على الصبر عند حضور الطعام اللذيذ .

التالي السابق


الخدمات العلمية