الآداب الشرعية والمنح المرعية

ابن مفلح - محمد بن مفلح بن محمد المقدسي

صفحة جزء
[ ص: 79 ] فصل ( في الرقى والتمائم والعوذ والعزائم وما ورد في كونها شركا ) .

في الصحيحين عنه عليه السلام { يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا بغير حساب هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون } وفي الصحيح { هم الذين لا يرقون ولا يسترقون } وذكره وفيهما عن عائشة { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرقي ، وأنه كان يعوذ بعض أهله يمسح بيده اليمنى ، وأنه كان ينفث بالمعوذات على نفسه وعلى غيره ، قالت فلما ثقل كنت أنفث عليه بهن وأمسحه بيد نفسه لبركتها ، فإنه كان إذا أوى إلى فراشه نفث بكفه بقل هو الله أحد وبالمعوذتين جميعا ، ثم يمسح بهما وجهه وما بلغت يده من جسده ، قالت : فلما اشتكى كان يأمرني أن أفعل ذلك به ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أو أمر أن تسترق من العين وقد تقدم فقالت له زينب امرأته : لم تقول هذا وقد كانت عيني تقذف فكنت أختلف إلى فلان اليهودي يرقيها فكان إذا رقاها سكنت ؟ قال إنما ذلك عمل الشيطان كان ينخسها بيده فإذا رقيتها كف عنها ، إنما يكفيك أن تقولي كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أذهب البأس رب الناس ، اشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما } .

وفي لفظ ابن ماجه بعد قوله { والتولة شرك قلت : فإني خرجت يوما فأبصرني فلان فدمعت عيني التي تليه فإذا رقيتها سكنت وإذا تركتها دمعت قال ذاك الشيطان إذا أطعتيه تركك ، وإذا عصيتيه طعن بإصبعه في عينيك ، ولكن لو فعلت كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم كان خيرا لك وأجدر أن تستشفي تنضحين في عينك الماء ثم تقولين } وذكر الحديث .

وروى أحمد وأبو داود وابن ماجه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول { إن الرقى والتمائم والتولة شرك } [ ص: 80 ]

التولة ضرب من السحر قال الأصمعي : هو يحبب المرأة إلى زوجها قال الجوهري : التميمة عوذة تعلق على الإنسان ويقال : هي خرزة ، وأما المعاذات إذا كتب فيها القرآن وأسماء الله تعالى فلا بأس .

وقال ابن الأثير في النهاية : التمائم جمع تميمة وهي خرزات كانت العرب تعلقها على أولادهم يتقون بها العين في زعمهم فأبطله الإسلام ، ثم ذكر أن منه حديث عمر وما أبالي " وحديث من يعلق تميمة " كأنهم يعتقدون أنها تمام الدواء والشفاء ، وإنما جعلها شركا ; لأنهم أرادوا دفع المقادير المكتوبة عليهم ، وطلبوا دفع الأذى من غير الله الذي هو دافعه ، انتهى كلامه .

وعن عقبة بن عامر مرفوعا { من تعلق تميمة فلا أتم الله له ، ومن تعلق ودعة فلا أودع الله له } رواه أحمد ، وفي رواية له { من تعلق تميمة فقد أشرك } والودع بالفتح والسكون جمع ودعة وهي شيء أبيض يجلب من البحر يعلق في حلوق الصبيان وغيرهم ، ، وإنما نهى عنها ; لأنهم كانوا يعلقونها مخافة العين ، وقوله " لا أودع الله له " أي لا جعله في دعة وسكون .

وقيل : هو لفظ مبني من الودعة أي لا خفف الله عنه ما يخافه ، وعن عبد الله بن عمر مرفوعا { ما أبالي ما ركبت وما أتيت إذا أنا شربت ترياقا أو تعلقت تميمة أو قلت الشعر من قبل نفسي } رواه أحمد والبيهقي وأبو داود وقال هذا كان للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة .

وقد رخص فيه قوم يعني : الترياق ، وهذا الحديث فيه شرحبيل بن يزيد المعافري عن عبد الرحمن بن رافع التنوخي . أما شرحبيل فلم يرو عنه غير سعيد بن أيوب وأما عبد الرحمن فقال البخاري : في حديثه مناكير قال القاضي : فشبه تعليق التميمة بمثابة أكل الترياق وقول الشعر وهما محرمان [ ص: 81 ] وروى وكيع بإسناده عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من علق شيئا وكل إليه } وبإسناده عن عبد الله بن عكيم الجهيني مرفوعا { من علق شيئا وكل إليه } وبإسناده عن عمران بن حصين { أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا في يده حلقة من صفر فقال : ما هذا قال : من الواهنة فقال انزعها ، فإنها لا تزيدك إلا وهنا } وبإسناده عن الحسن قال : كان أبو الحسن يعني : علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول : إن كثيرا من هذه الرقى والتمائم شرك فاجتنبوها . وبإسناده عن عبد الله بن مسعود قال من علق شيئا وكل إليه .

وفي لفظ أنه كره أن يعلق شيئا من القرآن . وبإسناده عن حذيفة أنه دخل على رجل مريض يعوده فلمس عضده فإذا فيه خيط فقال : ما هذا قال : شيء رقي لي فيه فقطعه وقال : لو مت وهو عليك ما صليت عليك ، وبإسناده عن ابن عباس قال اتفل بالمعوذتين ولا تعلق . وبإسناده عن إبراهيم قال : كانوا يكرهون أن يعلقوا شيئا من القرآن .

وروى أبو بكر بن أبي شيبة عن إبراهيم قال : كانوا يكرهون التمائم كلها من القرآن وغير القرآن . وبإسناده عن عقبة بن عامر قال وضع التميمة من القرآن شرك وبإسناده عن سعيد بن جبير قال : من قطع تميمة من الإنسان كان كعدل رقبة . وخبر ابن عكيم رواه أحمد ثنا وكيع ثنا ابن أبي ليلى عن عيسى بن عبد الرحمن قال : دخلنا على عبد الله بن عكيم وهو مريض نعوده فقيل : له لو تعلقت شيئا فقال : أتعلق شيئا وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { من تعلق شيئا وكل إليه } رواه الترمذي وقال : إنما نعرفه من حديث ابن أبي ليلى قال بعضهم ورواه أبو داود وخبر عمران المتقدم رواه أحمد وابن ماجه قال أحمد ثنا خلف بن الوليد ثنا المبارك عن الحسن أخبرني عمران فذكره وفي آخره { فأنت لو مت وهي عليك ما أفلحت أبدا } ورواه ابن ماجه من حديث وكيع عن المبارك والمبارك مختلف فيه وهو مدلس وقال أحمد ما روي عن الحسن لا يحتج به

. وللنسائي من حديث أبي هريرة [ ص: 82 ] { من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر ، ومن سحر فقد أشرك ، ومن تعلق شيئا وكل إليه } قال في الميزان : لا يصح للين عباد ولانقطاعه ، كذا قال : ويتوجه أنه حديث حسن .

وقال القاضي : يجوز أن تحمل الأخبار في هذا على اختلاف حالين . والموضوع الذي نهى عن ذلك إذا كان يعتقد أنها هي النافعة له أو الدافعة عنه وهذا لا يجوز ; لأن النافع هو الله ، والموضع الذي أجازه إذا اعتقد أن الله هو النافع الدافع ، ولعل هذا خرج على عادة الجاهلية وأن تلك الرقى كانت نافعة دافعة كما يعتقدون وأن الدهر يضرهم فكانوا يسبون الدهر فقال النبي صلى الله عليه وسلم { لا تسبوا الدهر ، فإن الله هو الدهر } ، وإنما كره ذلك قال القاضي : إذا لم ينزل به البلاء ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما رخص في ذلك عند الحاجة كذا وسبقت المسألة في فصل تباح الحقنة والاستحباب هو الصواب للأخبار الصحيحة وهو قول الجمهور ، وذكر في شرح مسلم أنه قول كثير من العلماء أو أكثرهم والله أعلم .

وروى أبو بكر بن أبي شيبة بإسناده عن إبراهيم قال : كانوا يكرهون النفث في الرقى . وبإسناده عن عائشة { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينفث في الرقية } وبإسناده عن عائشة قالت : إذا كانت حمى الربع فليؤخذ ثلاثة أرباع من سمن وربع من لبن .

التالي السابق


الخدمات العلمية