الآداب الشرعية والمنح المرعية

ابن مفلح - محمد بن مفلح بن محمد المقدسي

صفحة جزء
[ ص: 110 ] فصل ( في الاستشفاء بماء زمزم والآثار المحمدية والتبرك بهما وما ينفع لعسر الولادة ، والعقرب ) .

قال عبد الله : رأيت أبي غير مرة يشرب زمزم يستشفي به ويمسح يديه ووجهه . ورأيت أبي يأخذ شعرة من شعر النبي صلى الله عليه وسلم فيضعها على فيه فيقبلها ، وأحسب أني رأيته يضعها على عينيه ويغمسها في الماء ، ثم يشرب منها . وروى أبو حفص العكبري عن عروة عن عائشة { أنها كانت تحمل ماء من ماء زمزم في القوارير ، وتذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعله } ، وبإسناده { أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى سهل بن عمرو يستهديه من ماء زمزم فبعث إليه براويتين } وبإسناده ، عن ابن عمر { وضع يده على مقعد النبي صلى الله عليه وسلم من المنبر ، ثم وضعها على وجهه } . وروى أبو محمد الخلال بإسناده عن ابن عباس مرفوعا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { إذا عسر على المرأة ولدها أخذ إناء نظيف فيكتب : { كأنهم يوم يرون ما يوعدون } و { كأنهم يوم يرونها } إلى آخر الآية . و { لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب } إلى آخرها ، ثم يغسل فتسقى المرأة وينضح على بطنها منه ووجهها قال صالح : لأبيه يكتب الشيء من القرآن في قرطاس ويدفن للآبق قال : لا بأس } . وروى أبو بكر بن أبي شيبة بإسناده عن محمد بن علي { أن النبي صلى الله عليه وسلم لدغته عقرب فدعا بملح وماء فجعله في إناء ، ثم جعل يصبه على أصبعه حيث لدغته ويمسحها ويعوذها بالمعوذتين ، } وروى أيضا عن عبد الله بن مسعود قال : { بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إذ سجد فلدغته عقرب في أصبعه فانصرف [ ص: 111 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : لعن الله العقرب ما تدع نبيا ولا غيره قال : ثم دعا بإناء فيه ماء وملح فجعل يضع موضع اللدغة في الماء ، والملح ويقرأ قل هو الله أحد والمعوذتين حتى سكنت }

. هذا علاج مركب من إلهي وطبيعي فإن شهرة فضائل هذه السور من التوحيد معروف غير خاف .

وأما الملح ففيه نفع كثير من السموم وقد ذكره الأطباء ، فقال بعضهم : يسخن ، يوضع عليها مرارا وقال بعضهم : مع بزر كتان ، وزاد بعضهم وشيء من لبن شجر التين . والملح يجذب السم ويحلله بقوته الجاذبة المحللة ، وفي الماء تبريد لنار اللدغة فلهذا جمع بينهما فهذا علاج تام سهل وهو يدل على أن علاجه بالتبريد ، والجذب ، والإخراج ، ولهذا بدأ بعض الأطباء بشرط موضع اللدغة وحجمه فإن لم يمكن فالملح وهذا يوافق ما قاله عليه السلام من الحجامة ولعلها لم تتيسر في ذلك الوقت أو قصد الأسهل ، والدواء الإلهي أتم وأكمل وأشرف من الدواء الطبيعي .

ولهذا قد يمنع الإلهي وقوع السبب وإن وقع لم يكمل تأثيره فهو يحفظ الصحة ويزيل المرض ، والدواء الطبيعي لا أثر له إلا بعد وجود الداء وذلك مشهور في الأخبار وقد ذكرت بعضه هنا وفيما يقوله عند الصباح ، والمساء والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية