الآداب الشرعية والمنح المرعية

ابن مفلح - محمد بن مفلح بن محمد المقدسي

صفحة جزء
وقال في الغنية وإن كان على رأسه إنسان قائم أمره بالجلوس فإن أبى عليه أو قام مملوكه أو غلامه لقضاء حاجته وسقيه الماء أخذ من أطايب الطعام فلقمه ، وإذا أكل مع ضرير أعلمه بما بين يديه فربما فاته أطايب الطعام لعماه .

وذكر الشيخ في المغني في مسألة غير المأذون له هل له الصدقة من قوته إذا لم يضر به : إن الضيف لا يملك الصدقة بما أذن له في أكله وقال إن حلف لا يهبه فأضافه لم يحنث ; لأنه لم يملكه شيئا وإنما أباحه الأكل ، ولهذا لا يملك التصرف فيه بغير إذنه وذلك ، لأن الأصل عدم جواز التصرف في مال الغير بغير إذنه ، خولف في أكله منه لإذنه فيه يبقى ما سواه على الأصل ، ولا يلزم من الإذن في الأدنى الإذن في الأعلى وحق الآدمي مبني على الشح ، والضيق . ومقتضى هذا التعليل التحريم .

وقال الشيخ عبد القادر إنه يكره أن يلقم من حضر معه قال ، لأنه يأكل ملك صاحبه على وجه الإباحة وليس ذلك بتمليك ، ووجهت رواية الجواز في مسألة غير المأذون بأنه مما جرت العادة بالمسامحة فيه ، والإذن عرفا فجاز كصدقة المرأة من بيت زوجها ، وهذا التعليل جار في مسألة الضيف فيتوجه القول به فيها حيث جرى والله أعلم .

وتلخيص ما تقدم أن الضيف لا يملك ما لم تجر العادة بفعله ، والمسامحة فيه وما جرت به العادة ولم تخالفه قرينة كتلقيم بعض بعضا وتقديم طعام [ ص: 191 ] وإطعام سنور وكلب ونحو ذلك فإن علم رضا صاحبه بذلك جاز وإلا فوجهان ، والأولى جوازه .

وقد قال البخاري باب من ناول أو قدم إلى صاحبه على المائدة شيئا قال ابن المبارك لا بأس أن يناول بعضهم بعضا ولا يناول من هذه المائدة إلى مائدة أخرى .

ثم روى من حديث أنس { أن خياطا دعا النبي صلى الله عليه وسلم لطعام صنعه فذهب أنس معه فقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خبزا من شعير ومرقا فيه دباء وقديد قال أنس فرأيت رسول الله يتتبع الدباء من حوالي الصحفة فلم أزل أحب الدباء من يومئذ فجعلت أجمع الدباء بين يديه } .

وذكر هذه القصة قبل ذلك وفيها قال فاقبل الغلام على عمله وترجم عليه باب من أضاف رجلا إلى طعام وأقبل على عمله وما ذكره حسن إذا لم يخالف عادة أو قرينة مؤذية للضيف وتمنع إكرامه وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { من كان يؤمن بالله ، واليوم الآخر فليكرم ضيفه } متفق عليه .

ولمن منع المسألة الأولى أن يحمل خبر أنس على أنه علم أن رب الطعام راض بذلك والله أعلم . قال ابن عقيل في الفنون سأل سائل حنبليا فقال هل يجوز للقوم يقدم لهم الطعام أن يقرب بعضهم إلى بعض ؟ فقال قد كنت أقول لا يجوز ولا لسنور حتى وجدت في صحيح البخاري ، ثم ذكر حديث أنس المذكور . ولرب الطعام أو بعض أهله أن يخص بعض الضيفان بشيء طيب إذا لم يتأذ غيره وأنه يجوز للمخصوص أو يستحب له تناوله وأنه لا يفضل منه شيئا بحسب ما يقتضيه الحال من ذلك لما سبق في حفظ الصحة في قصة أبي أسيد مع أنه يستحب للضيف أن يفضل شيئا لا سيما إن كان ممن يتبرك بفضلته أو كان ، ثم حاجة .

قال أبو أيوب { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتي بطعام أكل وبعث بفضله إلي } فيسأل أبو أيوب عن موضع أصابعه فيتتبع موضع أصابعه وقد سبق حديث جابر { نعم الإدام الخل } في حفظ الصحة .

وفيه أن صاحب الطعام يبدأ بالضيف قبل نفسه ما لم يكن مانع وإنه [ ص: 192 ] لا بأس أن يخص الضيف بشيء ويختص بشيء ويشتركان في شيء حتى في الخبز لا سيما مع الحاجة وأن صاحب الطعام إن شاء أبقى الأرغفة صحاحا وإن شاء كسرها أو بعضها وإن الضيف يبقي ذلك ، ويعلم من ذلك أن تساوي الضيفان فيما حضر أولى بل قد يتوجه أن لو بادر أحدهم إلى أكل ما حضر مختصا به كما يفعل بعض الناس أن ذلك لا يجوز ; لأن مثل هذا لا يأذن فيه صاحب الطعام ولا يعجبه ويتسخط به عادة وعرفا .

وفيه أخذ الإنسان بيد صاحبه في تماشيهما وقالت الحنفية يحرم رفع المائدة إلا بإذن صاحبها ; لأنه مأذون بالأكل لا بالرفع ولو ناول الضيف لقمة من طعام ضيف آخر روي عن محمد أنه لا يحل للآخذ أن يأكل بل يضع ، ثم يأكل من المائدة ; لأنه مأذون بالأكل لا بالإعطاء .

وقال عامة مشايخهم يحل له للعادة ، وكذا لو ناول بعض الخدم الذي هو قائم على رأس المائدة جاز ولا يجوز أن يعطي سائلا ولا إنسانا دخل هناك لحاجة ; لأنه لا إذن فيه عادة ، وكذلك لو ناول شيئا من الخبز ، واللحم كلب صاحب البيت أو غيره لا يسعه ، ولو ناوله الطعام ، والخبز المحترق وسعه ; لأنه مأذون فيه عادة انتهى كلامهم وينبغي أن يطعم رب الطعام من حضره شيئا منه ذكر ابن عبد البر عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وبعضهم يرفعه قال الكلاب ضعفة الجن فإذا حضر طعامكم فاطردوهم وأطعموهم شيئا فإن لها أنفس سوء يعني أعين سوء .

التالي السابق


الخدمات العلمية