الآداب الشرعية والمنح المرعية

ابن مفلح - محمد بن مفلح بن محمد المقدسي

صفحة جزء
[ ص: 219 ] فصل ( استحباب المضمضة من شرب اللبن وكل دسم ) .

وتسن المضمضة من شربه قال في الرعاية ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم { تمضمض بعده بماء وقال إن له دسما وشيب له بماء فشرب } وذلك في الصحيحين وفيه { أنه لما شرب وأبو بكر عن يساره وعمر وجاهه وأعرابي عن يمينه قال عمر هذا أبو بكر يا رسول الله يريه إياه فأعطى رسول الله الأعرابي وقال الأيمنون الأيمنون الأيمنون } قال أنس فهي سنة ، فهي سنة ، فهي سنة ، وللبخاري " الأيمنون الأيمنون ألا فيمنوا " وتخصيصه في الرعاية المضمضة منه يدل على أنها لا تستحب من غيره .

وذكر بعض متأخري أصحابنا ما ذكره بعض الأطباء أن الإكثار منه يضر بالأسنان واللثة ولذلك ينبغي أن يتمضمض بعده بالماء ثم ذكر الخبر { أنه عليه السلام تمضمض وقال إن له دسما } كذا قال وسبق في الفصل قبله كلام الأطباء أنه يتمضمض بعده بالعسل ; لأجل اللثة ويتوجه أن تستحب المضمضة من كل ما له دسم لتعليله عليه السلام ، وأما المضمضة مما لا دسم له ففيه نظر وظاهر الخبر لا يستحب .

وعن سهل بن سعد مرفوعا { مضمضوا من اللبن فإن له دسما } وعن أم سلمة مرفوعا { إذا شربتم اللبن فمضمضوا فإن له دسما } رواهما ابن ماجه .

وقال أبو زكريا النواوي قال العلماء : تستحب المضمضة من غير اللبن المأكول والمشروب ; لئلا يبقى منه بقايا يبتلعها في الصلاة ولتنقطع لزوجته [ ص: 220 ] ودسمه ويتطهر فمه كذا قال ، وقد { أكل عليه السلام لحما وغيره ثم صلى ولم يتمضمض } .

وفي الصحيحين عن سهل { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بشراب فشرب منه وعن يمينه غلام وعن يساره الأشياخ فقال للغلام أتأذن لي أن أعطي هؤلاء ؟ فقال : والله لا أوثر بنصيبي منك أحدا فتله رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده } .

وفي مسند أبي بكر بن أبي شيبة أن هذا الغلام هو عبد الله بن عباس ، وقوله فتله أي وضعه ، وفيه أن الأيمن في مثل هذا يقدم وإن كان مفضولا أو صغيرا .

واستأذن ابن عباس لإدلاله عليه يتألف الأشياخ وفيه بيان هذه السنة تقديم الأيمن وأنه يجوز استئذانه في ترك حقه وأنه لا يلزمه الإذن وهل يجوز ؟ يخرج فيه الخلاف في الإيثار بالقرب ولم يستأذن الأعرابي لمخافة إيحاشه في صرفه إلى أصحابه ولتوهمه شيئا يهلك به لقرب عهده بالجاهلية وفيه التذكير ببعض الحاضرين مخافة نسيانه قال في شرح مسلم : وفيه أن من سبق إلى مباح أو مجلس عالم أو كبير فهو أحق ممن يجيء بعده ، ومراده والله أعلم في الجملة . فأما إن عرف كل إنسان بمكان ومنزلة وصار ذلك عادة وعرفا لهم فلا يتعداه فيه من الشر .

التالي السابق


الخدمات العلمية