الآداب الشرعية والمنح المرعية

ابن مفلح - محمد بن مفلح بن محمد المقدسي

صفحة جزء
[ ص: 231 ] فصل ( في استحباب إكرام الخبز دون تقبيله وشكر النعم ) .

هل يستحب تقبيل الخبز كما يفعله بعض الناس كلام الإمام أحمد رحمه الله في مسألة تقبيل المصحف يدل على عدم التقبيل وهو ظاهر كلام الشيخ تقي الدين فإنه ذكر أنه لا يشرع تقبيل الجمادات ، إلا ما استثناه الشرع ، وقد ذكر القاضي أبو الحسين أنه هل يستحب وضع اليد على القبر ; لأنه في معنى مصافحة الحي صححهما أبو الحسين أو لا يستحب ; لأن ما طريقه القربة يقف على التوقيف بدليل قول عمر في الحجر الأسود { لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك } ، وليس في هذا توقيف ؟ فيه عن أحمد روايتان .

وقد تقدم كلام والده في تقبيل المصحف بهذا المعنى وروى ابن أبي الدنيا في كتاب الشكر له عن عائشة رضي الله عنها قالت دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى كسرة ملقاة فقال { يا عائشة أحسني جوار نعم الله عليك فإنها قل إن نفرت عن قوم فكادت ترجع إليهم } ورواه ابن ماجه ولفظه فدخل علي ، فرأى كسرة ملقاة فأخذها فمسحها ثم أكلها وقال { يا عائشة أكرمي كريمك فإنها ما نفرت عن قوم فعادت إليهم } فهذا الخبر يدل على عدم التقبيل ; لأن هذا محله كما يفعل في هذا الزمان .

ومما ينبغي أن يعرف أن الاعتراف بالنعم ومن أنعم بها وشكره سبب لبقائها وزيادتها كما قال بعض الأدباء : قيدوا النعم بالشكر فإنها كالنعم لها أوابد ، أي تشرد وتنفر كما في الصحيحين من حديث أبي رافع { أن لهذه البهائم أوابد كأوابد الوحش } ، وقد قال تعالى : { فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون } . [ ص: 232 ]

وقد قال أبو حازم الأعرج التابعي الجليل رحمه الله : كل نعمة لم يشكر الله عليها فهي بلية وقال أيضا : إذا رأيت الله يتابع نعمه عليك وأنت تعصيه فإنما هو استدراج فاحذره وقد قال تعالى : { سنستدرجهم من حيث لا يعلمون } وقال تعالى : { فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون } .

وقد سبق ما يتعلق بهذا قريبا وقد قال تعالى : { كلوا من رزق ربكم واشكروا له } وقال تعالى : { اعملوا آل داود شكرا } .

قال ابن الجوزي المعنى وقلنا : اعملوا بطاعة الله شكرا على ما آتاكم وقال ابن عبد البر قال بعضهم الطاعات كلها شكر وأفضل الشكر الحمد وذكر ابن عبد البر في كتاب بهجة المجالس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { ما أنعم الله على عبد نعمة فعلم أنها من عند الله إلا كتب الله عز وجل له شكرها وما علم الله من عبد ندامة على ذنب إلا غفر الله له قبل أن يستغفر ، وإن الرجل ليلبس الثوب فيحمد الله فما يبلغ ركبتيه حتى يغفر له } ومكتوب في التوراة اشكر لمن أنعم عليك وأنعم على من شكرك فإنه لا زوال للنعم إذا شكرت ، ولا مقام لها إذا كفرت والشكر زيادة في النعم وأمان من الغير قال أبو بجيلة :

شكرتك إن الشكر حبل من التقى وما كل من أوليته نعمة يقضي     وأحييت من ذكري وما كنت خاملا
ولكن بعض الذكر أنبه من بعض

[ ص: 233 ]

وقال حذيفة بن اليمان ما عظمت نعمة الله على حد إلا زاد حق الله عظما قال عروة بن الزبير من لم يعرف سوء ما يبلى ، لم يعرف خير ما يولى وقال جعفر بن محمد ما أنعم الله على عبد نعمة فعرفها بقلبه وشكرها بلسانه فيبرح حتى يزداد .

التالي السابق


الخدمات العلمية