الآداب الشرعية والمنح المرعية

ابن مفلح - محمد بن مفلح بن محمد المقدسي

صفحة جزء
[ ص: 106 ] فصل ( هل الحدود كفارة مطلقا أم بشرط التوبة ؟ )

ومن لم يندم على ما حد به لم يكن حده توبة . ذكره في الرعاية ، وذكره غير واحد منهم ابن عقيل قالوا هو مصر والحد عقوبة لا كفارة { ولهم في الآخرة عذاب عظيم }

واستدلوا بآية المحاربة . والأولى أن يقال يكون الحد مسقطا لإثم ذلك الذنب في الدنيا فهو كفارته كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم { ومن لقيه مصرا غير تائب من الذنوب التي قد استوجب بها العقوبة فأمره إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له ، ومن لقيه كافرا عذبه ولم يغفر له } ونقل محمد بن عوف الحمصي عن أحمد نحو هذا إلا أنه قال { فأمره إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له إذا توفي على الإسلام والسنة } ولم يذكروا من لقيه كافرا إلى آخره .

وفي الصحيحين من حديث عبادة بن الصامت أنه عليه السلام قال لأصحابه { تبايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تزنوا ولا تسرقوا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ، فمن وفى منكم فأجره على الله ومن أصاب منكم شيئا من ذلك فعوقب به فهو كفارته ، ومن أصاب شيئا من ذلك فستره الله عز وجل عليه فأمره إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له } قال فبايعناه على ذلك وسبق قريبا حديث ابن عمر في النجوى وقول الله عز وجل { سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم } فهذا لمن شاء الله أن يغفر له من المؤمنين .

ولأحمد عن علي رضي الله عنه مرفوعا { من أذنب ذنبا في الدنيا فعوقب به فالله تعالى أعدل من أن يثني عقوبته على عبده ، ومن أذنب ذنبا فستره الله عليه وعفا الله عنه فالله تعالى أكرم أن يعود في شيء عفا عنه } ورواه ابن ماجه والدارقطني والترمذي وقال : غريب ولم [ ص: 107 ] أجد عنهم " وعفا الله عنه " .

وأما آية المحاربة فإنما فيها له عذاب في الآخرة لكن على ماذا ؟ فليس فيها ، ونحن نقول بها لكن على إصراره وعدم توبته لا على ذنب حد عليه لما سبق والله سبحانه أعلم قال القاضي عياض : قال أكثر العلماء الحدود كفارة استدلالا بهذا الحديث يعني حديث عبادة ومنهم من وقف لحديث أبي هريرة رضي الله عنه { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا أدري الحدود كفارة . } . كذا قال وحديث أبي هريرة إن صح فما سبق أصح منه وفي هذا زيادة علم فيتعين القول بها .

التالي السابق


الخدمات العلمية