الآداب الشرعية والمنح المرعية

ابن مفلح - محمد بن مفلح بن محمد المقدسي

صفحة جزء
فصل ( في صحة توبة العاجز عما حرم عليه من قول وفعل )

وتصح توبة من عجز عما حرم عليه من قول وفعل كتوبة الأقطع عن السرقة والزمن عن السعي إلى حرام والمجبوب عن الزنا ومقطوع اللسان عن القذف ، والمراد إما أن يكون ما تاب منه كان قد وقع منه وإما أن تكون التوبة من عزمه على المعصية لو قدر عليها . ولا تصح توبة غير عاص ، كذا وجدته في كلام الأصحاب وغيرهم من الفقهاء رحمهم الله تعالى .

وقال الشيخ عبد القادر في الغنية : التوبة فرض عين في حق كل شخص ولا يتصور أن يستغني عنها أحد من البشر لأنه إن خلا عن معصية الجوارح فلا يخلو عن الهم بالذنب بالقلب ، وإن خلا فلا يخلو عن وسواس الشيطان بإيراد الخواطر المفترقة المذهلة عن ذكر الله عز وجل ، فإن خلا فلا يخلو عن غفلة وقصور في العلم بالله وبصفاته وأفعاله ، فلكل حال طاعات وذنوب وحدود وشروط ، فحفظها طاعة ، وتركها معصية ، والغفلة عنها ذنب .

[ ص: 108 ] فيحتاج إلى توبة وهو الرجوع عن التعويج الذي وجد إلى سنن الطريق المستقيم الذي شرع له فالكل مفتقر إلى توبة وإنما يتفاوتون في المقادير ، فتوبة العوام من الذنوب ، وتوبة الخواص من الغفلة ، وتوبة خاص الخاص من ركون القلب إلى سوى الله عز وجل ، كما قال ذو النون المصري توبة العوام من الذنوب وتوبة الخواص من الغفلة ، وكما قال أبو الحسين النوري التوبة أن يتوب من كل شيء سوى الله عز وجل ، وذكر كلاما كثيرا .

وسبق قريبا في العزم على المعصية أن تعليق القلب بغير الله محرم ، ويأتي في أول الزهد خبر يتعلق بهذا ، وظاهر كلام بعض أصحابنا وغيرهم صحة التوبة من كل ما حصلت فيه المخالفة أو أدنى غفلة وإن لم يأثم ولعل هذا القول أقوى وهو معنى ما اختاره الشيخ تقي الدين وغيره ولعله معنى كلام مجاهد من لم يتب إذا أصبح وأمسى فهو من الظالمين والله أعلم وعلى هذا لا يسمى معصية ولا ذنبا بناء على أنه نص فيما يأثم به وقد ذكر ابن عقيل وغيره أنه ليس بنص وأنه يرد للتأكيد وأن منه قول أبي هريرة الذي خرج من المسجد بعد الأذان : أما هذا فقد عصى أبا القاسم وقوله عليه السلام { ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا } وذكر غيره قول عمار من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم والله أعلم .

وهذا من جنس قول الشيخ عبد القادر طعام الشيخ مباح للمريد وطعام المريد حرام في حق الشيخ لصفاء حاله وعلو رتبته .

وقد ذكر الشيخ تقي الدين أن السلف لم يطلقوا الحرام إلا على ما علم تحريمه قطعا . قال وذكر القاضي أنه هل يطلق الحرام على ما ثبت بدليل ظني روايتين وسبق في أوائل فصول التوبة الأخبار في التوبة عموما ومن ترك التوبة الواجبة مدة مع القدرة عليها والعلم بوجوبها لزمته التوبة من ترك التوبة تلك المدة .

التالي السابق


الخدمات العلمية