الآداب الشرعية والمنح المرعية

ابن مفلح - محمد بن مفلح بن محمد المقدسي

صفحة جزء
[ ص: 474 ] فصل ( في العناية بحفظ الزمان واتقاء إضاعته فيما لا فائدة فيه من الزيارات وغيرها ) .

قال ابن الجوزي رحمه الله رأيت العادات قد غلبت على الناس في تضييع الزمان فهم يتزاورون فلا ينفكون عن كلام لا ينفع وغيبة ، وأقله ضياع الزمان ، وقد كان القدماء يحذرون من ذلك قال الفضيل : أعرف من يعد كلامه من الجمعة إلى الجمعة ودخلوا على رجل من السلف فقالوا لعلنا شغلناك فقال : أصدقكم كنت أقرأ فتركت القراءة لأجلكم ، وجاء عابد إلى سري السقطي فرأى عنده جماعة فقال صرت مناخ البطالين ، ثم مضى ولم يجلس ، ومتى لان المزور طمع فيه الزائر فأطال الجلوس فلم يسلم من أذى .

وقد كان جماعة قد قعدوا عند معروف وأطالوا فقال : إن ملك الشمس لا يفتر عن سوقها فمتى تريدون القيام ؟ وممن كان يحفظ اللحظات عامر بن عبد الله القيسي قال له رجل : أكلمك فقال أمسك الشمس وكان داود الطائي يستف الفتيت ويقول بين سف الفتيت وأكل الخبز : قراءة خمسين آية .

وأوصى بعض السلف أصحابه فقال : إذا خرجتم من عندي فتفرقوا لعل أحدكم يقرأ القرآن في طريقه ، ومتى اجتمعتم تحدثتم .

واعلم أن الزمان أشرف من أن يضيع منه لحظة فكم يضيع للآدمي من ساعات يفوته فيها الثواب الجزيل ، وهذه الأيام مثل المزرعة ، وكأنه قد قيل : للإنسان كلما بذرت حبة أخرجنا لك ألفا ، هل ترى يجوز للعاقل أن يتوقف عن البذر أو يتوانى ؟ والذي يعين على اغتنام الزمان الانفراد والعزلة مهما أمكن والاختصار على السلام أو حاجة مهمة لمن يلقى ، وقلة الأكل فإن كثرته سبب النوم الطويل وضياع الليل ، ومن نظر في سير السلف وآمن بالجزاء بان له ما ذكرته .

التالي السابق


الخدمات العلمية