الآداب الشرعية والمنح المرعية

ابن مفلح - محمد بن مفلح بن محمد المقدسي

صفحة جزء
[ ص: 609 ] فصل : ( في وصايا ومواعظ وأحاديث كفارة المجلس )

وأقبل على من يقبل عليك ، وارفع منزلة من عظم لديك ، وأنصف حيث يجب الإنصاف ، واستعف حيث يجب الاستعفاف ، ولا تسرف فإن الله لا يحب الإسراف ، وإن رأيت نفسك مقبلة على الخير فاشكر ، وإن رأيتها مدبرة عنه فازجر .

عن أبي هريرة مرفوعا { بادروا بالأعمال سبعا : هل تنتظرون إلا فقرا منسيا ، أو غنى مطغيا ، أو مرضا مفسدا ، أو هرما مفندا ، أو موتا مجهزا ، أو الدجال والدجال شر غائب ينتظر ، أو الساعة ، والساعة أدهى وأمر } رواه الترمذي وقال حسن غريب .

وإن بليت بضر فاصبر وإن جنيت فاستغفر ، وإن هفوت فاعتذر ، وإن ذكرت بالله فاذكر ، وإذا قمت من مجلسك فقل سبحانك اللهم أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك ، فإنه يغفر لك ما كان في مجلسك .

قال أبو هريرة قال رسول الله { من جلس في مجلس يكثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذاك : سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت ، أستغفرك وأتوب إليك ، إلا غفر له ما كان في مجلسه ذاك } رواه الترمذي . ثنا أبو عبيدة بن أبي السفر ثنا الحجاج بن محمد قال أخبرني ابن جريج أخبرني موسى بن عقبة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة فذكره قال الترمذي : في الباب عن أبي برزة وعائشة رضي الله عنهما [ ص: 610 ] وهذا حديث حسن غريب من هذا الوجه لا نعرفه من حديث سهيل إلا من هذا الوجه انتهى كلامه . وهذا إسناد صحيح وموسى ثقة محتج به في الصحيحين غير معروف بالتدليس .

ورواه النسائي وصححه ابن حبان والحاكم . وقد قال الحاكم أيضا في تاريخه ثنا أبو نصر أحمد بن محمد سمعت أبا حامد أحمد بن حمدون القصار يقول سمعت مسلم بن الحجاج وجاء إلى محمد بن إسماعيل البخاري فقبل بين عينيه وقال دعني حتى أقبل رجليك يا أستاذ الأستاذين ، وسيد المحدثين ، وطبيب الحديث في علله ، ثنا أحمد بن سلام ثنا مخلد بن يزيد الحراني أنبأنا ابن جريج عن موسى بن عقبة عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في كفارة المجلس فما علته ؟ فقال محمد بن إسماعيل هذا حديث مليح ولا أعلم في الدنيا غير هذا الحديث في هذا الباب إلا أنه معلول ثنا موسى بن إسماعيل ثنا وهيب ثنا سهيل عن عون بن عبد الله قال محمد وهذا أولى فإنه لا يذكر لموسى بن إسماعيل سماع من سهيل . وأورد هذه الحكاية الخطيب في تاريخه فقال له مسلم لا يبغضك إلا حاسد ، وأشهد أنه ليس في الدنيا مثلك ، انتهى كلامه . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك إذا أراد أن يقوم من المجلس وقال { ذلك كفارة لما يكون في المجلس } رواه النسائي في اليوم والليلة من حديث حجاج بن دينار عن أبي هاشم هو الرماني الواسطي عن أبي برزة مرفوعا .

وروى الحاكم حديث رافع ، ورواه الحاكم من حديث [ ص: 611 ] والنسائي عن عائشة قالت : إن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جلس مجلسا أو صلى تكلم بكلمات فسألته عائشة عن الكلمات فقال { إن تكلم بخير كان طابعا عليهن إلى يوم القيامة ، وإن تكلم بشر كان كفارة له : سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك } . وعن عمرو بن العاص قال الكلمات لا يتكلم بهن أحد في مجلسه عند قيامه ثلاث مرات إلا كفر بهن عنه ، ولا يقولهن في مجلس خير ، ومجلس ذكر إلا ختم له بهن عليه كما يختم على الصحيفة ، سبحانك اللهم وبحمدك ، لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك . إسناد جيد رواه أبو داود ، ثم قال ثنا أحمد بن صالح ثنا ابن وهب قال : قال عمرو : وحدثني بنحو ذلك عبد الرحمن بن أبي عمرو عن المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله عبد الرحمن روى عنه الدراوردي ولم أجد فيه للأئمة كلاما . وقال الإمام أحمد في المسند : ثنا يونس ثنا ليث يعني : ابن يزيد بن أبي الهادي عن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر قال بلغني أن رسول الله قال { ما من إنسان يكون في مجلس فيقول حين يريد أن يقوم سبحانك اللهم ربي ، وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك } قال فحدثت بهذا الحديث يزيد بن خصيفة فقال هكذا حدثني السائب بن يزيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه الطبراني في المعجم عن أبي الزنباع روح بن الفرج عن يحيى بن بكير عن الليث هذا إسناد صحيح .

قال الأثرم سمعت أبا عبد الله مرارا يقول إذا قام من المجلس : سبحانك اللهم وبحمدك [ ص: 612 ] حتى أرى شفتيه تحركان فلا أفهم بقية كلامه كأنه يذهب إلى ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في كفارة المجلس .

وروى أبو صالح وأبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن تقول { سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك } انتهى كلامه .

واحتج أبو بكر الآجري في كفارة المجلس بما رواه هو وغيره بأسانيدهم عن جبير بن مطعم عن النبي أنه قال : كفارة المجلس أن لا يقوم أحد حتى يقول سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت تب علي واغفر لي { يقولها ثلاث مرات فإن كان مجلس لغط كانت كفارة له ، وإن كان مجلس ذكر كانت طابعا عليه } .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله فيه إلا قاموا عن مثل جيفة حمار وكان عليهم حسرة } رواه أبو داود بإسناد صحيح . وعن أبي هريرة أيضا مرفوعا { ما جلس قوم مجلسا لم يذكروا الله فيه ، ولم يصلوا على نبيهم إلا كان عليهم ترة فإن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم } رواه الترمذي وحسنه ورواهما أحمد وليس عنده { فإن شاء عذبهم } ولأبي داود { ما مشى قوم ممشى لا يذكرون الله فيه إلا كان عليهم من الله ترة } وتقدم هذا الخبر في آداب النوم .

روي عن جماعة من أهل العلم بتأويل القرآن في قول الله عز وجل [ ص: 613 ] { وسبح بحمد ربك حين تقوم } الطور .

منهم مجاهد وأبو الأحوص ويحيى بن جعدة وعطاء قالوا حين تقوم من مجلس تقول سبحانك اللهم وبحمدك أستغفرك ، وأتوب إليك ، وقالوا من قالها غفر الله له ما كان في المجلس وقال عطاء إن كنت أحسنت ازددت إحسانا ، وإن كنت غير ذلك كان كفارة .

التالي السابق


الخدمات العلمية