الآداب الشرعية والمنح المرعية

ابن مفلح - محمد بن مفلح بن محمد المقدسي

صفحة جزء
فأما هجر المسلم العدل في اعتقاده وأفعاله فقال ابن عقيل يكره وكلام الأصحاب خلافه ولهذا قال الشيخ تقي الدين رحمه الله : اقتصاره في الهجرة على الكراهة ليس بجيد بل من الكبائر على نص أحمد الكبيرة ما فيه حد في الدنيا ، أو وعيد في الآخرة . وقد صح قوله عليه السلام { : فمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار } .

وظاهر كلام الأكثر هنا ، لا فرق بين ثلاثة أيام ، وأكثر وكلامهم في النشوز يدل على هذا وذلك لظاهر ما في الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { : إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تجسسوا ولا تحسسوا ، ولا تباغضوا ، ولا تدابروا ، وكونوا عباد الله إخوانا كما أمركم الله عز وجل ، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره . التقوى ههنا ويشير إلى صدره ثلاث مرات بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه } ، وفيهما أو في مسلم { ولا تنافسوا ولا تهجروا } .

وفي نسخة معتمدة { ولا تهاجروا ولا تقاطعوا ، إن الله عز وجل لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم } التدابر المعاداة والمقاطعة ; لأن كل واحد يولي [ ص: 243 ] صاحبه دبره ، والتحسس بالحاء قيل : الاستماع لحديث قوم وبالجيم التفتيش عن العورات ، وقيل : بالحاء تطلبه لنفسك وبالجيم لغيرك ، وقيل : هما بمعنى ، وهو طلب معرفة ما غاب ، وحال ولا تهجروا ولا تهاجروا بمعنى ، والمراد النهي عن الهجرة ، وقطع الكلام ، وقيل : يجوز أن يكون " لا تهجروا " أي : لا تتكلموا بالهجر بضم الهاء وهو الكلام القبيح .

وروى الترمذي وحسنه من حديث أبي هريرة { المسلم أخو المسلم لا يخونه ولا يكذبه } ، وذكر الحديث بمعنى بعض ما تقدم .

وفي الصحيحين عن ابن عمر مرفوعا { المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه } .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس } ، وفي لفظ { تعرض الأعمال في كل يوم خميس واثنين فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء ، فيقال : أنظروا هذين حتى يصطلحا } وفي رواية { إلا المتهاجرين } رواه مسلم الشحناء العداوة كأنه شحن قلبه بغضا أي : ملأه ، وكلامه في المستوعب وغيره على أنه لا يحرم في الثلاثة أيام للخبر { لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث } .

قال في شرح مسلم قال العلماء : رضي الله عنهم إنما عفي عنها في الثلاثة ; لأن الآدمي مجبول من الغضب وسوء الخلق ونحو ذلك ، فعفي عنها في الثلاث ليزول ذلك العارض وسيأتي كلام أبي داود بعد هذا الخبر يوافق هذا ، وقيل : إن الخبر لا يدل على الهجرة في الثلاثة .

قال في شرح مسلم على مذهب من لا يحتج بالمفهوم : ويتوجه أولا أن الخبر في الهجر بعذر شرعي للخبر السابق . والذي ذكر القاضي في المجرد والشيخ عبد القادر وغيرهما استحباب هجرة أهل البدع والأهواء والفساق أطلقوا ولم يفرقوا .

التالي السابق


الخدمات العلمية