غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
وإلى كلام ابن الجوزي أشار الناظم رحمه الله تعالى بقوله :

مطلب : في الإنكار على الصبيان لتأديبهم : وأنكر على الصبيان كل محرم لتأديبهم والعلم في الشرع لردي ( وأنكر ) أيها المكلف المتبع الأوامر الشرعية ، العالم بأحكامها الفرعية .

( على الصبيان ) جمع صبي هو الصغير أعني الذي لم يبلغ سن التكليف ، هذا مراده . قال في القاموس : الصبي من لم يفطم . وقال في كتاب كفاية المتحفظ : الولد ما دام في بطن أمه فهو جنين فإذا ولد يسمى صبيا ، فإذا فطم يسمى غلاما إلى سبع سنين ، ثم يصير يافعا إلى عشر ، ثم حزورا إلى خمسة عشر ، ثم يصير قمدا إلى آخر كلامه . فظاهر كلام أهل اللغة أن الصبي من [ ص: 236 ] لم يفطم بعد ، ولكن ليس مرادا في كلام الناظم بل المراد من لم يبلغ حد سن التكليف .

وفي حديث { أنه صلى الله عليه وسلم رأى حسنا يلعب مع صبوة في السكة } ، والصبوة والصبية جمع صبي . ومعلوم أن الذين يلعبون أكبر من الذين يرضعون ( كل ) فعل وقول ( محرم ) في نفسه وإن لم يكن الفاعل آثما ، فإن الصبي الذي ليس بمكلف لا إثم عليه ، وإنما ينكر عليهم ذلك ( ل ) أجل ( تأديبهم ) وزجرهم عن ملابسة ما حرمه الله تعالى .

ولا فرق بين كون الصبيان ذكورا أو إناثا ( و ) لأجل ( العلم في الشرع ) بفتح الشين المعجمة . والشريعة الدين وهو ما شرعه الله لعباده ، ومثله الشرعة بالكسر ، سمي بذلك لظهوره ووضوحه ، وطريق شارع : أي مسلوك ، وقد شرع الله الدين أوضحه وبينه ، والشريعة مورد الماء .

فالمراد بالشرع هنا المشروع من الله سبحانه وتعالى على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، فيستحب الإنكار عليهم لذلك يعني لتأديبهم وللعلم أن هذا في الشرع ( با ) لفعل ( الردي ) أي القبيح الذي لا ينبغي أن يقر عليه فاعله ولو غير مكلف ، فإذا علموا ذلك وقر قبحه في صدورهم فلم يفعلوه .

وقد صرح الحجاوي رحمه الله تعالى بأن إنكار ذلك على أولئك مستحب ولفظه : ويستحب الإنكار على الأولاد الذين دون البلوغ ، سواء كانوا ذكورا أو إناثا تأديبا لهم وتعليما . قال الأصحاب : لا ينكر على غير مكلف إلا تأديبا له وزجرا . انتهى .

وظاهر كلام الإمام ابن الجوزي أن الإنكار واجب كما قدمنا ، فإن قوله فعليه أن يريق خمره ويمنعه وكذلك عليه أن يمنعه من الزنا ظاهر في الوجوب كما لا يخفى . وهذا - والله أعلم - أظهر حيث توفرت الشروط المتقدمة والله أعلم . قال الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا } قال سيدنا الإمام علي رضوان الله عليه أدبوهم وعلموهم .

قال ابن سيرين : كانوا يقولون أكرم ولدك وأحسن أدبه . وقال الحسن : التعلم في الصغر كالنقش في الحجر . [ ص: 237 ] وقال لقمان : ضرب الوالد للولد كمطر السماء للزرع . وكان يقال : الأدب من الآباء ، والصلاح من الله تعالى . وكان يقال : من أدب ابنه صغيرا قرت عينه به كبيرا .

( تنبيه ) : قد صرح علماؤنا في الفقه بأن على ولي الصبي أن يأمره بالصلاة لسبع ، ويجب عليه ضربه على تركها لعشر ، فهذا صريح في الوجوب .

ويجب عليه أيضا أن يعلمه ما يجب عليه علمه ، أو يقيم له من يعلمه ذلك . وفي كلام الشافعي وذكره أصحابنا أيضا : يجب على الأب وسائر الأولياء تعليم الابن ما يحتاجه لدينه ، لحديث ابن عمر { إن لولدك عليك حقا } رواه مسلم .

وقال القاضي من أئمتنا : ومما يجب إنكاره ترك التعليم والتعلم لما يجب تعليمه وتعلمه ، نحو ما تعلق بمعرفة الله وبمعرفة الصلاة وجملة الشرائع وما يتعلق بالفرائض ويلزم النساء الخروج لتعلم ذلك . وأوجب على الإمام أن يتعاهد المعلم والمتعلم لذلك ويرزقهما من بيت المال ، لأن في ذلك قواما للدين فهو أولى من الجهاد ، لأنه ربما نشأ الولد على مذهب فاسد فيتعذر زواله من قلبه . انتهى .

وقد نص فقهاؤنا على أنه يحرم على الولي تمكين الصغير من لبس ثوب حرير ونحوه ، وكذا من فعل كل محرم . فعلى كل حال متى توفرت الشروط وجب الإنكار على الصغير والمجنون لا أن ذلك يستحب كما قال الحجاوي ، والله تعالى أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية