غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
( فإني ) الفاء واقعة في جواب مهما النائبة عنها أما ، النائبة عنها الواو ( سوف ) حرف تنفيس واستقبال ( أنظم ) فعل مضارع من النظم وهو [ ص: 35 ] التأليف وضم الشيء إلى آخر كما في القاموس . ونظم اللؤلؤ ينظمه نظما ونظاما ونظمه ألفه وجمعه في سلك فانتظم وتنظم ، والنظام كل خيط ينظم به لؤلؤ ونحوه انتهى .

وفي نهاية ابن الأثير في أشراط الساعة : وآيات تتابع كنظام بال قطع سلكه . قال النظام : العقد من الجوهر والخرز ونحوهما وسلكه خيطه .

( جملة ) بضم الجيم وسكون الميم جماعة الشيء أي طرفا صالحا .

( من الأدب ) وهو في اللغة : الظرف وحسن التناول . يقال أدب كحسن فهو أديب وجمعه أدباء ، وأدبه علمه فتأدب ، قاله في القاموس .

وفي المطلع : الأدب بفتح الهمزة والدال مصدر أدب الرجل بكسر الدال وضمها لغة إذا صار أديبا في خلق أو علم .

والخلق بضم الخاء واللام صورة الإنسان الباطنة ، وبفتح الخاء صورته الظاهرة . وقال الحافظ ابن حجر في شرح البخاري : الأدب استعمال ما يحمد قولا وفعلا ، وعبر بعضهم عنه بأنه الأخذ بمكارم الأخلاق ، وقيل الوقوف مع المستحسنات ، وقيل هو تعظيم من فوقك والرفق بمن دونك انتهى .

مطلب : الناس في الأدب على طبقات وقال السهروردي : الناس على طبقات : أهل الدنيا ، وأهل الدين ، وأهل الخصوص . فأدب أهل الدنيا الفصاحة والبلاغة ، وتحصيل العلوم ، وأخبار الملوك ، وأشعار العرب . وأدب أهل الدين مع العلم رياضة النفس ، وتأديب الجوارح ، وتهذيب الطباع ، وحفظ الحدود ، وترك الشهوات ، وتجنب الشبهات . وأدب أهل الخصوص حفظ القلوب ورعاية الأسرار ، واستواء السر والعلانية . وقال ابن فارس : الأدب دعاء الناس إلى الطعام ، والمأدبة الطعام لسبب أو غيره ، والآدب بالمد الداعي . واشتقاق الأدب من ذلك كأنه أمر قد أجمع على استحسانه .

وفي الحديث { القرآن مأدبة الله في الأرض } يعني مدعاته ، شبه القرآن بصنيع صنعه الناس لهم فيه خير ومنافع ، وفي العرف : ما دعا الخلق إلى المحامد ومكارم الأخلاق وتهذيبها .

( المأثور ) أي المنقول والمروي ، يقال حديث مأثور أي يأثره بمعنى ينقله عدل عن مثله كما قاله أبو عبيد ( عن خير ) أي أفضل وأكرم ( مرشد ) [ ص: 36 ] بضم الميم وكسر الشين المعجمة اسم فاعل من أرشد ، يقال رشد كنصر وفرح رشدا ورشدا ورشادا اهتدى كاسترشد ، واسترشده طلبه ، والرشدى كجمزى اسم منه ، وأرشده الله هداه ، والرشد الاستقامة على طريق الحق مع تصلب فيه . والرشيد من الأسماء الحسنى أي الهادي إلى سواء الصراط والذي حسن تقديره فيما قدر ، والمراد بالمرشد هنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه خير من دعا إلى الله وهدى إلى سواء سبيله بقاله وحاله .

واعلم أن تعلم الآداب وحسن السمت والقصد والحياء والسيرة مطلوب شرعا وعرفا .

وروى الإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { إن الهدي الصالح والسمت والاقتصاد جزء من خمسة وعشرين جزءا من النبوة } .

وقال النخعي : كانوا إذا أتوا الرجل ليأخذوا عنه نظروا إلى سمته وصلاته وإلى حاله ، ثم يأخذون عنه .

وقال عمر رضي الله عنه : تأدبوا ثم تعلموا .

وقال ابن عباس : اطلب الأدب فإنه زيادة في العقل ، ودليل على المروءة مؤنس في الوحدة ، وصاحب في الغربة ، ومال عند القلة . رواه الأصبهاني في منتخبه .

وقال أبو عبد الله البلخي : أدب العلم أكثر من العلم .

وقال الإمام عبد الله بن المبارك : لا ينبل الرجل بنوع من العلم ما لم يزين علمه بالأدب . ذكره الحاكم في تاريخه .

ويروى عنه أيضا أنه قال : طلبت العلم فأصبت منه شيئا ، وطلبت الأدب فإذا أهله قد بادوا .

وقال بعض الحكماء : لا أدب إلا بعقل ، ولا عقل إلا بأدب .

وكان يقال : العون لمن لا عون له الأدب .

وقال الأحنف بن قيس : الأدب نور العقل كما أن النار نور البصر .

التالي السابق


الخدمات العلمية