غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
ثم أشار الناظم رحمه الله تعالى إلى مسنونية السلام على من قام من مجلس قوم فقال : وسلم إذا ما قمت عن حضرة امرئ وسلم إذا ما جئت بيتك تهتد ( وسلم ) استحبابا كابتداء السلام .

وهل يكون من جماعة سنة كفاية [ ص: 290 ] لم أر من تعرض لذلك ، ولعله كذلك لا سنة عين فيطلب من كل من قام من المجلس على حدته .

نعم الأفضل أن يأتي به كل واحد كابتدائه للقادمين ونحوهم ; إذ لا فرق بين القادمين إلى مجلس قوم والقائمين عنه ، والله أعلم .

( إذا ما ) تقدم أن إذا ظرف لما يستقبل من الزمان وما زائدة ، كما في قوله { وإذا ما غضبوا هم يغفرون } ( قمت ) عند انصرافك ( عن حضرة امرئ ) مسلم غير واجب الهجر ولا مندوبه وهذا مستفاد من لفظة ( عن ) هي للمفارقة والمجاوزة أي إذا قمت من مجلس قوم واحدا واحدا فصاعدا فسلم عند انصرافك ومفارقتك لمجلسهم ، لما أخرج أبو داود والترمذي وحسنه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلم ، فإذا أراد أن يقوم فليسلم ، فليست الأولى بأحق من الثانية } . ورواه النسائي وزاد فيه رزين { ومن سلم على قوم حين يقوم عنهم كان شريكهم فيما خاضوا فيه من الخير بعده } .

وروى الإمام أحمد من طريق ابن لهيعة عن زياد بن فايد عن سهل بن معاذ عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال { حق على من قام على جماعة أن يسلم عليهم ، وحق على من قام من مجلس أن يسلم فقام رجل ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يتكلم فلم يسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أسرع ما نسي } .

وعن معاوية بن قرة عن أبيه رضي الله عنه قال : يا بني إذا كنت في مجلس ترجو خيره فعجلت بك حاجة فقل : السلام عليكم فإنك شريكهم فيما يصيبون في ذلك المجلس . رواه الطبراني موقوفا هكذا ، ومرفوعا والموقوف أصح .

وأخرج ابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه { أن رجلا مر على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في مجلس فقال : سلام عليكم فقال : عشر حسنات ، ثم مر آخر فقال سلام عليكم ورحمة الله ، فقال : عشرون حسنة ، ثم مر آخر فقال سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، فقال : ثلاثون حسنة ، فقام رجل من المجلس ولم يسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 291 ] ما أوشك أي ما أسرع ما نسي صاحبكم إذا جاء أحدكم إلى المجلس فليسلم فإن بدا له أن يجلس فليجلس ، وإن قام فليسلم فليست الأولى بأحق من الآخرة } .

ومن سلم على جماعة في دخوله أعاده في خروجه ، قطع به ابن عقيل وهو معنى كلام القاضي والشيخ عبد القادر وغيرهما ، وقال به الشافعية .

قال ابن عقيل : والدخول آكد استحبابا .

وقد روى أبو داود عن أبي هريرة مرفوعا وموقوفا بإسناد جيد { إذا لقي أحدكم أخاه فليسلم عليه فإن حالت بينهما شجرة أو جدار أو حجر ثم لقيه فليسلم عليه } .

التالي السابق


الخدمات العلمية