غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
مطلب : في كراهة وقوف المستأذن تلقاء الباب : ووقفته تلقاء باب وكوة فإن لم يجب يمضي وإن يخف يزدد ( و ) مكروه للمستأذن أيضا ( وقفته تلقاء ) أي عند ( باب ) مستأذن عليه مقابلا له ، ; لأن الاستئذان إنما شرع من أجل النظر .

قال في الآداب الكبرى : ولا يواجه الباب في استئذانه ; لأن { رجلا استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فقام مستقبل الباب ، فقال عليه السلام هكذا عينك وهكذا ، فإنما الاستئذان من النظر } . وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه { إذا دخل البصر فلا إذن } حديثان حسنان رواهما أبو داود .

وأخرج الطبراني من حديث إسحاق بن يحيى عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه ولم يسمع منه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الاستئذان في البيوت ، فقال : من دخلت عينه قبل أن يستأذن ويسلم فلا إذن له ، وقد عصى ربه } ، قال المنذري : رواته ثقات .

[ ص: 313 ] و ) مثل الباب وقفته تلقاء ( كوة ) بفتح الكاف وتضم : الخرق والثقب في الحائط ، ويقال كو من غير تأنيث . قال في القاموس : التذكير للكبير ، والتأنيث للصغير جمعه كوى وكواء ; لأنها في معنى الباب بجامع توصل النظر من كل منهما .

وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم فقد حل لهم أن يفقئوا عينه } .

وفي رواية للنسائي أنه صلى الله عليه وسلم قال { من اطلع في بيت قوم ففقئوا عينه فلا دية له ولا قصاص } . وفي رواية أبي داود { ففقئوا عينه فقد هدرت } .

ومثل الكوة خصاص الباب لما في الحديث الثابت { أن أعرابيا أتى باب النبي صلى الله عليه وسلم فألقم عينه خصاصة الباب ، فبصر به النبي صلى الله عليه وسلم فتوخاه بحديدة أو عود ليفقأ عينه ، فلما أبصره انقمع فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أما إنك لو ثبت لفقأت عينك } وخصاصة الباب بفتح الخاء المعجمة وصادين مهملتين هي الثقب فيه والشقوق .

ومعناه أنه جعل الشق الذي في الباب محاذيا عينه .

ومعنى توخاه بتشديد الخاء المعجمة قصده ومعنى انقمع رد بصره ورجع يقال : أقمعت الرجل عني إقماعا إذا طلع عليك فرددته عنك فكأن المردود أو الراجع قد دخل في قمعه ، ومنه حديث منكر ونكير " فينقمع العذاب عند ذلك " أي يرجع ويتداخل .

وفي الصحيحين عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه { أن رجلا اطلع على رسول الله صلى الله عليه وسلم من جحر في حجرة النبي صلى الله عليه وسلم ومع النبي صلى الله عليه وسلم مدراة يحك بها رأسه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لو علمت أنك تنظر لطعنت بها في عينك ، إنما جعل الاستئذان من أجل البصر } .

وعند الطبراني من طريق أحدها جيد عن عبد الله بن بسر رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { لا تأتوا البيوت من أبوابها ، ولكن ائتوها من جوانبها فاستأذنوا فإن أذن لكم فادخلوا ، وإلا فارجعوا } وهو معنى قول الناظم رحمه الله ( فإن ) استأذن بقوله السلام عليكم أأدخل ، أو السلام عليكم فقط على ما هو و ( لم يجب ) بالبناء للمفعول أي لم يجبه رب المنزل ( يمضي ) لما في الأخبار المارة وغيرها .

قال ابن الجوزي وغيره : [ ص: 314 ] فلا يقف على الباب ، ويلازمه للآية .

وفي الصحيحين عن أبي سعيد رضي الله عنه مرفوعا { إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع } وتقدم .

والمراد إن علم أو ظن أنهم سمعوا صوته ( وإن ) حرف شرط جازم و ( يخف ) فعل مضارع مبني للمجهول فعل الشرط مجزوم بحذف الألف ; لأنه معتل بها ونائب الفاعل مستتر عائد على المستأذن يعني وإن يخف صوته ( يزدد ) جواب الشرط وحرك بالكسر للقافية .

والمعنى أنه متى علم أو ظن أنهم لم يسمعوا صوت استئذانه زاد على الثلاث مرات حتى يعلم أو يظن أنهم سمعوه .

قال في الآداب الكبرى : وقيل لا يزيد على الثلاث مطلقا ، قاله بعض العلماء عملا بظاهر الحديث ، وهو ظاهر كلام بعض الأصحاب ، وأراد به الإمام العلامة المحقق ابن القيم حيث قال : وهذا القول مخالف للسنة يريد أنه لا يزيد على الثلاث إلا إن ظن عدم سماعهم .

قال م ص في شرح الإقناع : فيزيد بقدر ما يظن أنهم سمعوه .

التالي السابق


الخدمات العلمية