غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
مطلب : في استحباب تحريك المستأذن نعليه وإظهار حسه .

( و ) يستحب للمستأذن ( تحريك نعليه ) تثنية نعل وهي مؤنثة التي تلبس في المشي . قال في النهاية : وتسمى الآن تاسومة ، وفي الخبر { أن رجلا شكا إليه صلى الله عليه وسلم رجلا من الأنصار فقال : يا خير من يمشي بنعل فرد } ، وصفها بالفرد ، وهو مذكر ; لأن تأنيثها غير حقيقي .

والفرد هي التي لم تخصف ولم تطارق وإنما هي طاق واحد .

والعرب تمدح برقة النعال وتجعلها من لباس الملوك يقال نعلت وانتعلت إذا لبست النعل وانتعلت الخيل .

ومنه الحديث { إن غسان تنعل خيلها } .

( و ) يستحب للمستأذن أيضا ( إظهار حسه ) بكسر الحاء المهملة الحركة وأن يمر بك قريبا فتسمعه ، ولا تراه كالحس والصوت كما في القاموس .

والمراد - والله أعلم - إتيان شيء من تحريك نعل أو نحنحة أو صوت كما مر في كلام الإمام رضي الله عنه ، وذلك لئلا يرى أمرا يكرهه الداخل أو أهل المنزل ، ولأنه ربما أفضى إلى الشحناء بين الأهل ; لأنه قد يرى من عوراتهم ما لا يحب ، فإذا حرك نعله أو تنحنح أو أظهر حسه انتفى ذلك .

وقالت زينب امرأة عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما : كان عبد الله إذا [ ص: 315 ] دخل تنحنح وصوت . مختصر من حديث طويل .

فينبغي لكل مكلف إظهار حسه ( ل ) أجل ( دخلته ) لكل دخلة ( حتى ) يفعل ذلك من تحريك نعله وإظهار حسه ( ل ) دخول منزله على امرأته وأمته ، فلا يختص ذلك بدخوله على الأجانب .

وقوله ( اشهد ) فعل أمر من الإشهاد وحرك بالكسر للقافية ، أي أعلم ذلك وأشهده ولا تتوقف فيه . وقد مر أن يستأذن ، قال يحرك نعله إذا دخل . وقال إذا دخل على أهله تنحنح .

وقال ابن أبي موسى رحمه الله ورضي عنه : يستحب لمن دخل منزله أن يقول : ما شاء الله لا قوة إلا بالله ويسلم على أهل بيته إذا دخل يكثر خير بيته .

وفي الترمذي وحسنه عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له { يا بني إذا دخلت على أهلك فسلم عليهم تكون بركة عليك وعلى أهل بيتك } .

وروى أبو داود عن أبي مالك الأشعري مرفوعا { إذا ولج الرجل بيته فليقل اللهم إني أسألك خير المولج وخير المخرج ، بسم الله ولجنا وبسم الله خرجنا ، وعلى الله ربنا توكلنا ، ثم يسلم على أهله } .

وأخرج أبو داود أيضا بإسناد جيد عن أبي أمامة رضي الله عنه مرفوعا { ثلاثة كلهم ضامن على الله عز وجل : رجل خرج غازيا في سبيل الله فهو ضامن على الله حتى يتوفاه فيدخله الجنة أو يرده بما نال من أجر وغنيمة ، ورجل راح إلى المسجد فهو ضامن على الله ، ورجل دخل بيته بسلام فهو ضامن على الله عز وجل } قال الخطابي : ضامن على الله معناه مضمون فاعل بمعنى مفعول ، يريد كل واحد منهم .

قال : وقوله دخل بيته بسلام يحتمل وجهين :

أحدهما : أن يسلم إذا دخل منزله كما قال تعالى { فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة } .

والثاني : أن يكون أراد أن يلزم البيت طلبا للسلامة من الفتن ، يرغب بذلك في العزلة ويأمر بإقلال الخلطة ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية