غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
مطلب :

يستحب للمستأذن إذا قيل له من أنت أن يسمي نفسه : وتحريك نعليه وإظهار حسه لدخلته حتى لمنزله اشهد ( فوائد ) الأولى : يستحب للمستأذن إذا قيل له من أنت أو من هذا أن يقول فلان فيسمي نفسه بما يعرف به من اسم أو كنية ، لما في حديث الإسراء [ ص: 316 ] { ثم صعد بي إلى السماء الدنيا فاستفتح فقيل من هذا ؟ فقال جبريل ، قيل ومن معك ؟ قال محمد } متفق عليه .

وفي حديث { أبي ذر قال خرجت ليلة من الليالي فإذا رسول الله يمشي وحده ، فجعلت أمشي في ظل القمر فالتفت فرآني ، فقال من هذا ؟ فقلت أبو ذر } .

وكره للمستأذن إذا قيل من هذا أن يقول أنا ، ولا يسمي نفسه لعدم الفائدة .

وفي الصحيحين عن { جابر رضي الله عنه قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فدققت الباب ، فقال من هذا ؟ فقلت أنا ، فقال أنا أنا كأنه كرهها } .

قال المروذي : قال أبو عبد الله رضي الله عنه : ما أكثر ما نلقى من الناس يدقون الباب فيقولون أنا أنا ، ألا يقول : أنا فلان .

قال في الآداب الكبرى : وليزول اللبس فيذكر ما يعرف به من كنية أو غيرها ، لقول أم هانئ : أم هانئ وقول أبي قتادة : أبو قتادة للنبي صلى الله عليه وسلم وقال عبد الله ولد الإمام : دق أبي رضي الله عنه الباب فقيل من هذا ؟ فقال أبو عبد الله .

( الثانية ) : ظن من لا تحقيق لديه من علم الآثار ، ولا له مزيد اطلاع على أسرار الأخبار ، أن علة كراهة قول المستأذن ( أنا ) مشابهة إبليس المبعود في قوله أنا خير منه .

وهذا غلط ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال أنا في عدة أخبار ، منها قوله أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب .

وخبر علي رضي الله عنه : أنا الذي سمتني أمي حيدره وحديث الصديق : أي سماء تظلني أو أي أرض تقلني إذا أنا قلت في كتاب الله عز وجل بما لا يريد مع قوله تعالى { قل إنما أنا بشر مثلكم } { وإنما أنا نذير مبين } ولي من أبيات :

    أنا عبدك الجاني وأنت السيد
ورجاك ألحاني وأنت المقصد     يا واحدا في ملكه أنا واقف
في باب جودك بالدعا أتعبد     وإذا بحثت عن الحقيقة ألتقي
عبدا ضعيفا بالقضاء مقيد

[ ص: 317 ] والسنة طافحة بأمثال ذلك .

منها ما رواه ابن خزيمة في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { من أصبح منكم اليوم صائما ؟ فقال أبو بكر أنا فقال من أطعم منكم اليوم مسكينا ؟ فقال أبو بكر أنا ، فقال من اتبع منكم اليوم جنازة ؟ فقال أبو بكر أنا ، قال من عاد منكم اليوم مريضا ؟ قال أبو بكر أنا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اجتمعت هذه الخصال قط في رجل إلا دخل الجنة } .

ومقتضى نص إمامنا أنه لو قال أنا فلان أو أنا أبو فلان لم يكره كما في الآداب الكبرى ، وهو عين الصواب .

ثم رأيته صحيحا .

فأخرج البخاري في الأدب المفرد وصححه الحاكم من حديث بريدة { أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى المسجد وأبو موسى يقرأ قال فجئت فقال من هذا قلت أنا بريدة } .

وفي الصحيح في حديث أم هانئ فقلت أنا أم هانئ .

ولذا قال النووي وغيره : ولا بأس أن يقول أنا الشيخ فلان أو القارئ فلان أو القاضي فلان إذا لم يحصل التمييز إلا بذلك .

وإنما علة الكراهة لعدم حصول الفائدة بقوله : أنا فإنه ما زاد على أن ثم على الباب إنسانا ، وذلك حاصل بالاستئذان .

( الثالثة ) : ينبغي للمستأذن أن لا يدق الباب بعنف لنسبة فاعل ذلك عرفا إلى قلة الأدب ، لا سيما إن كان رب المنزل شيخه ، ولذا كانوا يقرعون بيوت الأشياخ بالأظافر .

وأخرج البخاري في الأدب المفرد من حديث أنس { أن أبواب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت تقرع بالأظافر } . وأخرجه الحاكم في علوم الحديث من حديث المغيرة بن شعبة وهذا محمول منهم على المبالغة في الأدب ، وهو حسن لمن قرب محله من بابه ، وأما من بعد عن الباب فيقرع بحسب ما يحصل به المقصود .

التالي السابق


الخدمات العلمية