غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
( الثانية ) : يستحب ترتيل القراءة وإعرابها وتمكين حروف المد واللين من غير تكلف . قال الإمام أحمد رضي الله عنه : تعجبني القراءة السهلة . وسئل رضي الله عنه في رواية جعفر بن أحمد إذا قام الرجل من الليل أحب إليك الترسل أو السرعة ؟ فقال أليس قد جاء بكل حرف كذا وكذا حسنة ، قالوا له في السرعة قال إذا صور الحرف بلسانه ولم يسقط من الهجاء .

قال [ ص: 399 ] القاضي وظاهر هذا أنه اختار السرعة . وقد قدمنا أنه كره السرعة إذا لم يبين الحروف فلا منافاة . قال القاضي : أقل الترتيل ترك العجلة في القرآن عن الإبانة ومعناه أنه إذا بين ما يقرأ به فقد أتى بالترتيل وإن كان مستعجلا في قراءته ، وأكمله أن يرتل القراءة ويتوقف فيها ما لم يخرجه ذلك إلى التمديد والتمطيط ، فإذا انتهى إلى التمطيط كان ممنوعا .

قال وقد أومأ الإمام أحمد إلى معنى هذا ، فقال في رواية أبي الحارث : تعجبني قراءة القرآن السهلة ولا تعجبني هذه الألحان .

قال شيخ الإسلام طيب الله روحه ونور ضريحه : التفهم فيه يعني القرآن والاعتبار مع قلة القراءة أفضل من إدراجه بغير تفهم . وقال قراءة القرآن أول النهار بعد الفجر أفضل من قراءته آخره ، وكأن ذلك لقوله تعالى { وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا } وقال الإمام أحمد رضي الله عنه : يحسن القارئ صوته بالقرآن ويقرأ بحزن وتدبر ، وهو معنى قوله عليه السلام { ما أذن الله لشيء كأذنه لنبي يتغنى بالقرآن } نص عليه . قال الإمام العلامة في الآداب الكبرى : قوله أذن بكسر الذال المعجمة ومعناه الاستماع . وقوله كأذنه هو بفتح الهمزة والذال وهو مصدر أذن يأذن أذنا كفرح يفرح فرحا . وفي رواية في الصحيح كإذنه بكسر الهمزة وإسكان الذال . قال القاضي عياض : هو على هذه الرواية يعني الحث على ذلك والأمر به . انتهى .

قلت : والذي في مطالع الأنوار تهذيب الإمام الحافظ أبي إسحاق إبراهيم بن يوسف بن إبراهيم المعروف بابن قرقول قوله ما أذن الله كأذنه بفتح الذال في المصدر وكسرها في الماضي ، ومعناه استمع استماعه . قال ووقع في مسلم من رواية يحيى بن أيوب كإذنه من الإذن يعني بالكسر وسكون الذال .

قال والأول أولى بمعنى الحديث وأشهر في الرواية . وقد غلط الخطابي هذه الرواية ; لأن مقصد الحديث لا يقتضي أنه أراد الإذن والفعل ، وإذا كان بمعنى الإعلام قيل فيه أذن إيذانا . انتهى .

وفي لفظ في الصحيحين من حديث أبي هريرة مرفوعا { ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به } ومعنى أذن استمع .

[ ص: 400 ] وروى الإمام أحمد وابن ماجه وابن حبان في صحيحه والحاكم والبيهقي عن فضالة بن عبيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { لله أشد أذنا للرجل الحسن الصوت بالقرآن من صاحب القينة إلى قينته } وقال الحاكم صحيح على شرطهما والقينة بفتح القاف وإسكان الياء المثناة تحت بعدهما نون هي الأمة المغنية والله الموفق .

التالي السابق


الخدمات العلمية